وأعتقد أنّ الثورات في التأريخ الإسلامي لم تحظ بالعناية التي تستحقها من المؤرّخين والباحثين ؛ القدماء منهم والمتأخرين ، بل انصبت عنايتهم على تأريخ السلطة الحاكمة التي تسبغ على نفسها صفة الشرعية ، أمّا الثورات ـ وهي تُمثل الجانب الآخر من قصّة الحكم في الإسلام ـ فقد عولجت بصورة جانبية ، وبروح معادية في كثير من الحالات.
وربّما كان السبب في ذلك هو أنّ المؤرّخ القديم كان ـ في الأعمّ الأغلب ـ يكتب ما يكتب مقيّداً بتوجيه ، أو رغبة الحاكم الذي يعيش في ظلّه ، وينفق عليه. وقد يتعدّى توجيه الحاكم للمؤرّخ عصره الذي يعيش فيه إلى الأحداث والشخصيات الفكرية والسياسية الماضية التي لم تفقد تأثيرها على الوضع السياسي والاجتماعي في عصر المؤرّخ.
ويبدو أنّ المؤرّخين المحدّثين قيّدوا أنفسهم بالمنهج الذي اتّبعه القدماء في هذا الموضوع ، أو ربّما كان الذعر الذي يثيره الحديث عن الثورة في مجتمع مستقر سبباً لدى بعضهم في تجنّب الحديث عن الثورات والثائرين ، لاسيّما وأنّنا لم نبلغ بعد مرحلة من النضج الفكري نفرّق فيها بين السياسة والعلم ، أو مرتبة من الأمانة تبعدنا عن أن نُكرّس البحث العلمي لأغراض السياسة.
ولكن ـ مهما تكن المبرّرات ـ فإنّ إهمال البحث الجاد المستوعب للثورات في التأريخ الإسلامي يجعل الصورة التأريخيّة مشوّهة وناقصة ؛ لأنّ الثورة ـ كما قلت آنفاً ـ هي الوجه الآخر من الصورة التأريخيّة للمجتمع الإسلامي ، ولا يمكن تكوين فكرة صادقة عن أوضاع المسلمين القديمة ما لم نحط بالصورة من وجهيها.
وآمل أن يوفقني الله سبحانه وتعالى لإنجاز سلسلة كتب عن الثورات في التأريخ الإسلامي تكشف عن ألوان من كفاح المسلمين ـ عبر التأريخ ـ في سبيل تحسين أوضاعهم على هُدى من الشريعة الإسلاميّة.