ـ ٢ ـ
١ ـ تحطيم الإطار الديني
قد رأينا في فصل سابق كيف استغل الاُمويّون الدين لإيهام رعاياهم أنّهم يحكمون بتفويض إلهي ، وأنّهم خلفاء رسول الله حقّاً ، هادفين من وراء ذلك إلى أن يجعلوا من الثورة عليهم عملاً محظوراً وإن ظلموا وجوّعوا وشرّدوا المؤمنين ، وأن يجعلوا لأنفسهم باسم الدين الحقّ في قمع أيّ تمرّد تقوم به جماعة من الناس وإن كانت محقّة في طلباتها.
وقد رأينا أنّهم استعانوا على ذلك بطائفة كبيرة من الأحاديث المكذوبة على النبي صلىاللهعليهوآله ، وقد وضعها ونسبها إلى النبي اُولئك النفر من تجّار الدين الذين تقدّم ذكر بعضهم والذين كانوا يؤلّفون جهاز الدعاية عند معاوية بن أبي سفيان ، واستعان معاوية بهؤلاء وغيرهم في عقد مجالس القصص والوعظ التي دأب القصّاصون والوعّاظ على أن يدسّوا فيها هذه الأحاديث ، ويبشّروا فيها بهذه الأفكار فيؤيّدون بها الحكم الاُموي عن طريق الدين.
وقد جعل معاوية القصص عملاً رسميّاً تابعاً للدولة ، فرتّب قصّاصاً يومية في المحافل والمساجد ، وأنفق عليهم من مال الدولة. قال الليث بن سعد :
«وأمّا قصص الخاصّة فهو الذي أوجده معاوية ، ولّى رجلاً على القصص فإذا سلّم من صلاة الصبح ، جلس وذكر الله عزّ وجلّ وحمده ومجّده ، وصلّى على النبي