تمهيد
لعلّ أصعب ما يواجه الباحث المؤرّخ هو أن يضع خطّاً حاسماً يفصل بين مرحلتين تأريخيتين لمُجتمع ما ؛ فإنّ تحوّل المُجتمع من حالة إلى أُخرى بطيء وتدريجي ، ولذلك فمن العسير تعيين وحدة زمنية والقول بأنّها خاتمة عهد وبداية عهد جديد.
وهذه هي الصعوبة التي نواجهها هنا حين نبغي وضع تحديد زماني دقيق للمرحلة التأريخيّة التي بدأت الأمّة المُسلمة تشهد فيها الانحراف الصريح عن مبادئ الإسلام ، ولكنّنا نستطيع أن نشهد هذا التحوّل واضحاً منذ بداية النصف الثاني من عهد عثمان.
ومن الطبيعي إذاً أن تكون قد أعدّت ومهّدت سبيل الظهور لهذا التّيار الجديد في المُجتمع أحداث وأشكال جديدة في التنظيم نشأ ـ هذا التيار ـ من تفاعلها مع ذهنية الفئات التي كانت تحكم المُجتمع الإسلامي آنذاك وتقوده.
وعلينا ـ لكي تستوفي هذه الدراسة شروط البحث الموضوعي ـ ألاّ نكتفي بالظواهر فقط ، بل نمضي في البحث عن جذور هذه الظواهر في تصرّفات الجماعات والرجال الذين صاغوا تأريخ هذه الفترة ، مُنبّهين إلى