أ ـ منطق السّقيفة :
لا يسع الباحث أن يُنكر أنّ وفاة النبي صلىاللهعليهوآله قد كشفت عن أنّ الرّوح القبلية كانت لا تزال مُتمكّنة في نفوس كثير من المسلمين ، فقد عبّرت هذه الرّوح عن نفسها في أعمال الرجال الذين ظهروا على الصعيد السياسي في المدينة بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله بساعات ، وتحكّمت في توجيه سير الأحداث التي توالت بسرعة مذهلة.
ففي سقيفة بني سعادة اجتمع الأنصار يتداولون ـ بمعزل عن سائر المسلمين ـ في مسألة الحكم بعد النبي صلىاللهعليهوآله ، ويرون أنّه من حقّهم ، بينما تكتّل ضدّهم فريق من القرشيين يُنازعهم هذا الأمر ، مع العلم بأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يُفارقهم إلاّ بعد أن عهد بالحكم من بعده إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام الذي لم يشترك في أحداث السّقيفة ؛ بسبب انشغاله مع الهاشميّين وبعض الأنصار بجثمان النبي صلىاللهعليهوآله الذي كان لم يُدفن بعد ، ولكنّ تيّار الأحداث الجارف ، وتسابق الكُتل السياسيّة إلى اغتنام فرصة الذّهول الذي أصاب أكثر المسلمين لوفاة النبي صلىاللهعليهوآله من أجل الوصول إلى الحكم ، حمل الجميع على تناسي عهد النبي صلىاللهعليهوآله إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام ، وقد تولّى عمر في خلافته تبرير هذا الموقف في عدّة أحاديث له مع عبد الله بن عباس (١).
وإذا فحصنا المنطق الذي استُخدم في الجدل الذي دار آنذاك بين المهاجرين والأنصار نجد أنّ الرّوح القبلية ظاهرة فيه ظهوراً بيّناً ؛ فقد أثار كلام أبي بكر الأحقاد والإحن الكامنة بين الأوس والخزرج ، وأغرى بينهما ؛ حيث تحدّث عمّا بين الحيين من القتلى ، وعن الجُراح التي لا تُداوى ، بينما
__________________
(١) الطبري ٥ ـ ٣١ ، والكامل لابن الأثير ٣ ـ ٣١ ، وابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة «بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم» ٢ ـ ٥٧ و ١٢ ـ ٩ ، ٢٠ ـ ٢١ ـ ٧٨ ـ ٧٩ ـ ٨٢. وفي تاريخ اليعقوبي : «وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون في علي عليهالسلام». وقريب منه في شرح نهج البلاغة ٢ ـ ٨٣. ولاحظ للمؤلف : «نظام الحكم والإدارة في الإسلام».