ج ـ الشورى
وإذا كان التفضيل في العطاء قد خلق شعوراً بالامتياز والتفرّد لدى قريش فإنّ الشّورى التي اقترحها عمر قد أثارت في نفوس كثير من الأشخاص البارزين في قريش آنذاك ، وفي نفوس قبائلهم وأنصارهم مطامح سياسية ما كانوا ليحلموا بها ؛ فقد جعل عمر الشّورى في ستة نفر من قريش ، وكلّهم مرشّح للخلافة. وها نحن نُثبت هنا نصّاً يصوّر لنا توزيع القوى السياسيّة أمام الحدث الذي يوشك أن يقع ، وهو بيعة خليفة جديد للمسلمين بعد عمر بن الخطّاب من بين هؤلاء المرشّحين :
«... فخرج عبد الرحمن ـ ابن عوف ـ فمكث ثلاثة أيّام يُشاور الناس ثمّ رجع ، واجتمع الناس وكثروا على الباب ، لا يشكّون أنّه يبايع علي بن أبي طالب عليهالسلام (١) ، وكان هوى قريش كافّة ـ ما عدا بني هاشم ـ في عثمان ، وهوى طائفة من الأنصار مع علي عليهالسلام ، وهوى طائفة أخرى مع عثمان ، وهي أقل الطائفتين» (٢).
فالناس يريدون علياً عليهالسلام ؛ لأنّهم يخشون سلطان بني أُميّة ، أمّا قريش فهي تخشى علياً وعدله واستقامته ، ولعلّ كثيرين منهم كانوا على علم ببعض آرائه في المال والاجتماع والولايات ، وأمّا الأنصار فكثرتهم مع علي عليهالسلام ، وقلّتهم مع عثمان ، وهذا طبيعي ؛ بسبب خوفهم من تسلّط قريش على جميع مقدّرات الدولة.
وقد سيطر منطق السّقيفة القبلي على بني أُميّة في الجدل الذي دار في
__________________
(١) وليس هنا شيء جديد بالنسبة إلى موقف الناس من علي عليهالسلام ، فهذا هو موقفهم منه منذ السقيفة ؛ ففي تأريخ اليعقوبي ٢ / ٨٣ : «وكان المهاجرين والأنصار لا يشكّون في علي».
(٢) ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ٩ / ٢٥.