ـ ٢ ـ
وسار عثمان حين ولي الخلافة على سياسة في المال لم يعهدها المسلمون ممّن تقدّمه ، ولم يألفوها ؛ فقد راح يغدق الهبات الضخمة على آله وذويه وغيرهم من أعيان قريش ، وعلى بعض أعضاء الشّورى بصورة خاصّة. ولو كانت هذه الهبات من أمواله الخاصّة لما أثارت اعتراض أحد ، ولكنّها كانت من بيت المال الذي يشترك فيه المسلمون جميعاً. وقد سار عمّال عثمان في أنحاء الخلافة سيرته في المدينة ، فانكفؤوا على بيوت الأموال المحلية ينفقونها على آلهم وأنصارهم والمقرّبين إليهم (١) ..
وقام عثمان بإجراء مالي فتح به للطّبقة الثريّة التي كان يخصّها بهباته وعطاياه أبواباً من النشاط المالي ، وأتاح لهم فرص التّمكين لنفسها وتنمية ثرواتها ، وذلك حين اقترح أن ينقل الناس فيهم من الأرض إلى حيث أقاموا ؛ فلمَنْ كان له أرض في العراق ، أو في الشام ، أو في مصر أن يبيعها ممّن له أرض بالحجاز ، أو غيره من بلاد العرب. وقد سارع الأثرياء إلى الاستفادة من هذا الإجراء ، فاشتروا بأموالهم المُكدّسة أرضين في البلاد المفتوحة ، وبادلوا بأرضهم الحجاز أرضين في البلاد المفتوحة ، وجلبوا لها الرقيق والأحرار يعملون فيها ويستثمرونها ، وبذلك نمت هذه الثروات نمواً عظيماً ، وازدادت هذه الطّبقة الطّامحة إلى الحكم والطّامحة إلى السيادة قوّة إلى قوّتها.
وقد ذكر المسعودي وغيره بعض الأمثلة على هذه الثروات الضّخمة في ذلك الوقت.
__________________
(١) المسعودي : مروج الذهب ٢ / ٣٤١ ، والبلاذري : أنساب الأشراف ٥ / ٢٥ ـ ٢٨ و ٤٨ ، ٥٢ ، وغيرهما.