وقال في موضع آخر :
«... فلمّا ولي عثمان خلى عنهم ، فاضطربوا في البلاد ، وانقطع إليهم الناس ...» (١).
* * *
فإذا لاحظنا أنّ عثمان فتح باب الهجرة أمام قريش فانساحوا في البلاد يستصلحون الأموال ، ويُكوّنون الثروات ، ويجمعون حولهم الأنصار بالمال ، والأصهار إلى قبائل العرب ، وبسمعتهم الدينية التي جاءتهم من صحبتهم للنبي صلىاللهعليهوآله ، وسبقهم إلى الإسلام ، وجهادهم في سبيله. وإنّ سلوك عمّال عثمان على الأمصار الكبرى ، وسلوك عثمان نفسه في المدينة مع ناصحيه والمشفقين عليه ، وعلى الناس من سلوكه ، كان يُقدّم للمسلمين أسباب التذمّر والشكوى ، وأنّ هؤلاء الصحابة من قريش كانوا يرون هذا ويسمعونه ويشاركون فيه ، فإذا أضفنا إلى ذلك ما خلّفه تدبير الشّورى لدى هؤلاء من طموح إلى الخلافة ، وسعي في سبيلها ... إذا لاحظنا هذا كلّه اتّسقت لأعيننا الخطوط البارزة ، والعوامل الأساسية في ثورة المسلمين على عثمان وعلى عهده :
طبقة ارستقراطية دينية كوّنتها السقيفة بما بعثت من مركز قريش ، غدت ـ بالإضافة إلى ارستقراطيتها الدينية ـ تتمتّع بثروات طائلة بسبب مبدأ التفضيل في العطاء ، وسياسة عثمان في المال ، والأرض ، والهجرة ، وقد كوّن مبدأ الشّورى في نفوس كثير من أفرادها الطموح إلى الحكم ممّا دفعهم إلى استغلال كلّ الظروف المواتية للوصول إلى هذا الهدف ، يُقابل هذه الطبقة طبقة المحاربين والمسلمين الجُدد المحرومة من كافة الامتيازات ، والتي كانت أسباب تذمّرها مُتوفّرة.
__________________
(١) الطبري ٥ / ١٣٤.