ـ ٣ ـ
وجاء الناس إلى الإمام علي عليهالسلام يطلبون منه أن يلي الحكم ، ولكنّه أبى عليهم ذلك ؛ لا لأنّه لم يأنس من نفسه القوّة على ولاية الحكم وتحمّل تبعاته ، فقد كان عليهالسلام على تمام الأُهبة لذلك ، كان قد خبر المجتمع الإسلامي من أقطاره ، وخالط مُختلف طبقاته ، وراقب حياتها عن كثب ، ونفذ إلى أعماقها ، وتعرّف على الوجدان الطبقي الذي يشدّها ويجمعها.
وقد مكّنه من ذلك كلّه المركز الذي كان يتمتّع به من النبي صلىاللهعليهوآله ، فهو وزيره ونجيّه ، وأمين سرّه ، وقائد جيوشه ، ومنفّذ خططه ، ومعلن بلاغاته ... هذه المنزلة الفريدة التي لم يتمتّع بها أحد من الصحابة أعدّته إعداداً تامّاً لمهمّة الحكم. وقد كان النبي صلىاللهعليهوآله يبتغي من وراء إناطة هذه المهام كلّها به إعداده للمنصب الإسلامي الأوّل ليصل إليه وهو على أتمّ ما يكون أهلية واستعداداً. ولقد غدا من نافلة القول أن يُقال : إنّه هو الخليفة الذي كان يجب أن يلي حكومة النبي صلىاللهعليهوآله في المجتمع الإسلامي.
وإذا لم يقدر له أن يصل إلى الحكم بعد وفاة النبي صلىاللهعليهوآله فإنّه لم ينقطع عن الحياة العامّة ، بل ساهم فيها مساهمة خصبة ؛ فقد كان أبو بكر ، ثمّ عمر ، ومن بعدهما عثمان لا يسعهم الاستغناء عن آرائه في القضاء والسياسة والحرب ، وخاصّة في خلافة عثمان ؛ فقد كان على أتمّ الصّلة بالتيّارات التي تمخُر المجتمع الإسلامي ، ولكنّ عثمان لم ينتفع كثيراً بالتوجيه الذي كان الإمام يُقدّمه ؛ لأنّ بطانته المعروفة كانت تأبى عليه ذلك.
ولقد رأى أنّ المجتمع الإسلامي قد تردّى في هوّة من الفوارق الاجتماعيّة والاقتصادية التي زادت عمقاً وحدّة ، بسبب السياسة غير