«دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي ؛ فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ ، لا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ ، وَلا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ ، وإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ ، وَالْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَاعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ ، وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ ، وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ ، وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً» (١).
ولكنّ الناس أبَو عليه إلاّ أن يلي الحكم ، فاستجاب لهم.
وما أن بويع حتّى عالنهم بسياسته التي قرّر أن يتّبعها من أجل تحقيق الأهداف التي قبل الحكم لأجلها. ولم تكن هذه السياسة شيئاً مرتجلاً اصطنعه لنفسه يوم ولي الخلافة ، وإنّما كانت منهجاً مدروساً ، ومنتزعاً من الواقع الذي كان يعانيه المجتمع الإسلامي آنذاك ، ومعدّة للسّير بهذا المجتمع إلى الأمام ، ومُهيّأة لتنيل هذا المجتمع المطامح التي كان يحلم بها ويصبو إليها.
* * *
وقد تناولت إصلاحات الإمام الثورة ثلاثة ميادين :
الإدارة.
والحقوق.
والمال.
ففيما يرجع إلى سياسة الإدارة أصرّ على عزل ولاة عثمان على الأمصار ، هؤلاء الولاة الذين كانوا من الأسباب الهامّة في الثورة على عثمان ؛ لظلمهم وبغيهم ، وعدم درايتهم بالسياسة وأصول الحكم. وقد كلّمه المغيرة بن شعبة في شأن ولاة عثمان ، فأشار عليه بأن يُثبت هؤلاء الولاة
__________________
(١) نهج البلاغة : ١ / ٢١٧.