بالنسب وما إليه من عنعنات الجاهليّين ، لا بالله ، وتعرف النصر بالشجاعة والقوّة والكثرة والدهاء ، لا بالله ، فهذا النفس الديني الذي يشبه أن يكون صوفيّاً ؛ لكثرة ذكر الله فيه ليس من طبيعة الأخطل ، وإنّما هو موحى به من ممدوحه ، أو من هؤلاء الذين بثّهم معاوية لصوغ أفكاره الخاصّة بما يشيع بين العامّة ؛ سواء كان ذلك بالرواية عن النبي صلىاللهعليهوآله أو بالشعر.
ومسكين الدارمي يقول في شأن عقد ولاية العهد ليزيد :
ألا ليتَ شعري ما يقولُ ابنُ عامرٍ |
|
ومروانُ أم ماذا يقولُ سعيدُ |
بني خلفاءِ اللهِ مهلاً فإنّما |
|
يبوّئها الرحمانُ حيثُ يريدُ |
إذا المنبرُ الغربي خلاه ربُّه |
|
فإنّ أميرَ المؤمنينَ يزيدُ |
وكما أنّ مذهب الجبر استُخدم لتبرير حال الأسرة الاُمويّة على العموم ، فقد استخدم أيضاً في تهدئة الشعب حين كان يُبتلى ، أو يُغرى بأن يرى في أعمال الحكّام والعمّال الظلم والطغيان (١).
* * *
لقد رأينا أنّ سياسة الاضطهاد والتجويع خنقت نزعة الحرية في النفوس ، وحملت الجماهير على أن ترضى بحياة ذليلة مُضطهدة ؛ خشية أن تصير إلى لون من الحياة أقسى وأنكد. ورأينا أنّ الروح القبلية حوّلت الإنسان المسلم عن أهدافه العظيمة التي وجّهه إليها الإسلام ، وشغلته بأهداف أخرى تتّصل بأفقه القبلي الضيّق وصنمه القبلي الجديد.
فهنا عامل نفسي وهو الخوف ، وعامل اجتماعي وهو الوضع القبلي كانا يُقعدان بالإنسان المسلم عن الثورة ، ويحملانه على تقبّل حياته على ما فيها من نكد وقسوة وحرمان ، ولكنّهما ما كانا ليحملا الرضى الباطني لروحه
__________________
(١) أحمد أمين : ضحي الإسلام ٣ / ٨١ ـ ٨٢ ، وجولد تسيهر : العقيدة والشريعة في الإسلام : ٨٥ ـ ٨٧.