الدار (١) الآخرة. والقول بالجبر والتفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد وشرحها في خمسة الأمثال التي ذكرها الصادق عليهالسلام أنها جمعت جوامع الفضل ، وأنا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان إن شاء الله تعالى.
تفسير صحة الخلقة
أما قول (٢) الصادق عليهالسلام فإنّ [معناه] (٣) كمال الخلق للإنسان [و] كمال الحواس وثبات العقل والتمييز وإطلاق اللسان بالنطق ، وذلك قول الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٤) ، فقد أخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواسّ بني آدم بتمييز العقل والنطق ، وذلك قوله (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (٥) ، وقوله (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٦) ، [و] في آيات كثيرة.
فأول نعمة الله على الإنسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان ، وذلك أن كل ذي حركة على بسيط الأرض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته ، ففضّل ابن آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس ، فمن أجل النطق ملّك الله ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمرا ناهيا وغيره مسخّرا له ، كما قال الله (كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ) (٧) ، وقال (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) (٨) ، وقال :
__________________
(١) من «ح».
(٢) أي قوله عليهالسلام : «وهي صحة الخلقة ، وتخلية السرب ..» الذي مر في الصفحة : ١٠.
(٣) من المصدر ، وفي النسختين : معنى.
(٤) الإسراء : ٧٠.
(٥) التين : ٤.
(٦) الانفطار : ٦ ـ ٨.
(٧) الحجّ : ٣٧.
(٨) النحل : ١٤.