ثمّ كتب كتابا آخر : من اتهمتموه ولم تقم عليه البيّنة فاقتلوه. فقتلوهم على التهم والظن والشبهة تحت كلّ كوكب ، حتى لقد كان الرجل يسقط بالكلمة فتضرب عنقه.
ولم يكن ذلك البلاء في بلد أكثر ولا أشدّ منه بالعراق ولا سيّما الكوفة ، حتى إن الرجل من شيعة علي وممّن بقي من أصحابه بالمدينة وغيرها يأتيه من يثق به فيدخل بيته ، ثمّ يلقي عليه سرّه فيخاف من خادمه ومملوكه ، فلا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان المغلّظة ليكتمن عليه.
وجعل الأمر لا يزداد إلا شدّة ، وكثر عددهم ، وأظهروا أحاديثهم الكاذبة في أصحابهم من التزوير والبهتان ، فنشأ الناس على ذلك ، ولا يتعلّمون إلّا منهم ، ومضى على ذلك قضاتهم وولاتهم وفقهاؤهم.
وكان أعظم الناس في ذلك بلاء وفتنة القرّاء المراؤون المتصنعون الذين يظهرون لهم الحزن والخشوع والنسك ، ويكذبون ويعلّمون الأحاديث ؛ ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويدنوا [بذلك] (١) مجالسهم ، ويصيبوا بذلك الأموال والقطائع والمنازل ، حتى صارت أحاديثهم تلك ورواياتهم في أيدي من يحسب أنها حقّ وأنّها صدق ، فرووها وقبلوها وتعلّموها ، وأحبّوا عليها وأبغضوا ، وصارت بأيدي الناس المتدينين الذين لا يستحلّون الكذب ويبغضون عليه أهله ، فقبلوها وهم يرون أنّها حق ، ولو علموا أنّها باطل لم يرووها ولم يتدينوا بها. فصار الحق في ذلك الزمان باطلا ، والباطل حقا ، والصدق كذبا ، والكذب صدقا.
وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «لتشملنكم فتنة يربو فيها الوليد وينشأ فيها الكبير ، يجرى الناس عليها ويتخذونها سنّة ، إذا غيّر منها شيء قالوا : أتى الناس منكرا غيّرت السنّة».
__________________
(١) من المصدر ، وفي النسختين : لذلك.