وهذه شهادة من سيّد الأوصياء عليهالسلام في حقِّ ولده الكريم محمّد ، قد أخذت مأخذها من الفضيلة ، وأحلّت محمّداً المحلّ الأرفع من الدِّين ، وأقلّته سنام العزّ في مستوى الإيمان.
وإنّ شهادة أمير المؤمنين عليهالسلام بأنّه ممّن يأبى أنْ يُعصى اللّه ، تُعرّفنا عدم ادّعائه الإمامة لنفسه بعد الحسين عليهالسلام ؛ فإنّ تسليمَه الإمامة للسجّاد عليهالسلام لا يختلف فيه اثنان ، واستدعاؤه الإمام عليهالسلام للمحاكمة عند الحجر الأسود من أكبر الشواهد على تفنّنه في تنبيه النّاس لمَن يجب عليهم الانقياد له.
وعدم حضوره مشهد الطَّفِّ ؛ إمّا لما يقوله العلاّمة الحلّي في أجوبة المسائل المهنائية من المرض ، أو لما يروي محمّد بن أبي طالب في المقتل : من إذنِ الحسين عليهالسلام له في البقاء بالمدينة يُعرّفه بما يحدث هناك ، فهو معذورٌ مقبول.
ولبسالته المعلومة وموقفه من الحقّ ؛ أنزله أبوه عليهالسلام يوم (الجمل) منزلة يده ، فكان يخوض الغمرات أمامه ، ويمضي عند مُشتبك الحرب قِدماً ، وكان يقول له عند أمره لمنازلة الأقران دون الإمامين عليهماالسلام : «إنّهمَا عينايَ وأنت يدي ، أفلا أدفعُ بيدي عنْ عينَيّ؟» (١).
__________________
من المُهاجرين والأنصار ، كما خرج معك أبناءُ المُنافقين والطُّلقاء. واللّه يا معاوية ، ما خفي عليك ما صنعتَ ولا خفي عليهم ما صنعوا ، إذ أحلّوا أنفسَهُم سخطَ اللّهِ بطاعتك ، وإنّي لا أزال اُحبُّ عليّاً للّه ورسوله ، وأبغضُكَ في اللّه ورسوله أبداً ما بقيت. ثُمّ ردّه إلى السّجن فمات فيه. رجال الكشّي ١ / ٢٢٨ ، والنّص منقول بالمعنى.
(١) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٤٤ : قيل لمُحمّد : لِمَ يُغرّر