تفاوتت المراتب بالنّسبة إلى الموجدات الشريفة وما دونه ، ولا يعدو الشرف والشهامة هذا المُتفضّل بسرّ الحياة ؛ فهو شريفٌ يُحبُّ الإبقاء على مثله ، أو عطوفٌ لا يجدُ على الإغاثة منَّةً ، ولا على قدرته في الإعانة لسائر الموجودات جُهداً ولا عطباً.
وإذا كانت الشريعة المُطهّرة حثّت على السّقاية ذلك الحثّ المتأكّد ، فإنّما تلت على النّاس أسطراً نوريّة ممّا جُبلوا عليه ، وعرَّفت الاُمّة بأنّ الدِّين يُطابق تلك النّفسيات البشريّة والغرائز الطبيعيّة ، وأرشدتهم إلى ما يكون من الثواب المُترتّب على سقي الماء في الدار الآخرة ؛ ليكونوا على يقينٍ مِن أنّ عملَهم هذا موافقٌ لرضوان اللّه وزُلفى للمولى سبحانه ، يستتبع الأجر الجزيل ، وليس هو طبيعيّاً محضْاً.
وهذا ما جاء عن النّبيٍّ صلىاللهعليهوآله وأهل بيته المعصومين عليهمالسلام ، من فضل بذل الماء في محلّ الحاجة إليه وعدمها ، [سواء] كان المُحتاجُ إليه حيواناً أو بشراً ، مؤمناً كان أو كافراً.
ففي حديث النّبي صلىاللهعليهوآله : «أفضلُ الأعمالِ ـ عند اللّهِ ـ إبرادُ الكَبد الحَرَّى» (١). من بهيمة وغيرها ولو كان على الماء ؛ فإنّه يوجب تناثر الذنوب كما ينتثر الورق من الشجر (٢) ، وأعطاه اللّه بكُلِّ قطرة يبذلها قنطاراً في الجنّة ، وسقاه من الرحيق المختومِ ، وإنْ كان في فَلاة من الأرض ورد حياضَ القدس مع النّبيّين (٣).
وسأله رجل عن عمل يُقرّبه من الجنّة ، فقال صلىاللهعليهوآله : «اشترِ سقاءً جديداً
__________________
(١) بحار الأنوار ٧١ / ٣٦٩.
(٢) تذكرة الموضوعات للفتني / ١٤٧.
(٣) مستدرك الوسائل للنوري ٧ / ٢٥٣.