قريش على ذلك ، وعمدوا إلى الحوض بالليل فكسروه ، فكان عبد المطّلب يُصلحه بالنّهار وهم يكسرونه بالليل ، فلمّا أكثروا عليه إفساده دعا عبد المطّلب ربّه سبحانه وتعالى ، فرأى في المنام قائلاً يقول : «قُلْ لقريشٍ إنّي لا أحلُّها لمُغتسلٍ ، وهي لشاربٍ حلٌّ وبلٌّ». فنادى في المسجد بما رأى ، فلم يفسد أحد من قريش حوضه إلاّ رُمي بداء بجسده حتّى تركوا حوضه وسقايته (١) ، وفي ذلك يقول خويلد بن أسد (٢) :
أقولُ ومَا قَولِي عَليهمْ بسُبَّةٍ |
|
إليكَ ابنُ سَلمَى أنتَ حَافِرُ زَمزَمِ |
حَفيرةُ إبراهِيمَ يَومَ ابنِ هَاجَرٍ |
|
وَركضَةَ جِبريِلٍ عَلى عَهدِ آدَمِ |
ولمّا وافق قريشاً على المحاكمة عند كاهنة بني سعد بن هذيم ، وكان بمشارف الشام ، وسار عبد المطّلب بمَن معه من قومه ، حيث إذا كانوا بمفازة لا ماء فيها ونفد ماؤهم استسقوا ممّن كان معهم من قريش ، فأبوا أنْ يسقوهم ؛ حفظاً على الماء ، فأمر عبد المطّلب أصحابَهُ أنْ يحفروا قبوراً لهم ، ويُدفن مَن يموت منهم عطشاً في حفرته ويبقى واحد ؛ فضيعة واحد أيسر من ضيعة جماعة ، وبعد أنْ فرغوا من الحفر ، قال عبد المطّلب : إنّ هذا منّا لعجزٌ ، لنضربنّ في الأرض عسى اللّه أنْ يرزقنا ماءً. فركب راحلته ، فلمّا انبعث نبع من تحت خفها ماءٌ عذبٌ ، فكبّر عبد المطّلب ، وشرب أصحابه وملؤوا أسقيتهم ، ودعا قريشاً أنْ يستقوا من الماء ، فأكثروا منه ، ثُمّ قالوا :
__________________
(١) المُصنّف للصنعاني ٥ / ١١٤ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٤٧ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٣٣٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ / ٢١٦ ، السّيرة النّبويّة لابن كثير ١ / ١٧٣ ، السّيرة الحلبيّة ١ / ٥٧.
(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٥ / ٢١٧ ، مُعجم البلدان للحموي ٣ / ١٤٩ ، سُبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي ١ / ١٩١.