ولقد أنكرت عليه زوجته هند بنت عمرو بن سهيل ، وكانت عند عبد اللّه بن عامر بن كريز ، وهو ابن خال عثمان بن عفان ، فإنّ عامراً وأروى اُمَّ عثمان اُمُّهم اُمّ حكيم البيضاء بنت عبد المُطّلب بن هاشم بن عبد مناف ، فأجبره معاوية على طلاقها لرغبة يزيد بها (١).
فإنّها لمّا أبصرت الرأس الزاهي مصلوباً على باب دارها ، ورأت الأنوار النّبويّة تتصاعد إلى عنان السّماء ، وشاهدت الدَّمَ يقطر منه طرياً ، أدهشها الحالُ ، وعظم مصابه في قلبها ، فلم تتمالك دون أنْ دخلت على يزيد في مجلسه ، مهتوكة الحجاب ، وهي تصيح : رأسُ ابن بنت رسول اللّه على دارنا! فقام إليها وغطّاها ، وقال لها : أعولي وابكي على الحسين ؛ فإنّه صريخة بني هاشم ، عجّل عليه ابن زياد (٢).
ورأت في منامها كأنّ رجالاً نزلوا من السّماء وطافوا برأس الحسين عليهالسلام يُسلّمون عليه ، ولمّا انتبهت جاءت إلى الرأس فأبصرت نوراً حوله ، فطلبت يزيد لتقصّ عليه الرؤيا ، فإذا هو في بعض الغرف يبكي ويقول : مالي ولحسين! وقد رأى مثل ما رأت (٣) ، فأصبح يزيد ومِلء اُذنه حديث الأندية عن القسوة التي استعملها والجور الشديد ، فلم يرَ مناصاً من إلقاء التبعة على عاتق ابن زياد وتبعيداً للسُّبّة عنه ، ولكنّ الثابت لا يزال ، وهذا هو السّرُّ في إنشاء كتاب صغير وصفه المؤرّخون بأنّه مثل (اُذن الفأرة) ، أرفقه بكتابه الكبير
__________________
(١) مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٨١ ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٦٢ / ٨٥ ، تاريخ الطبري ٤ / ٤٥٦ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٨٤ ، وفي هذه المصادر وغيرها اسمها هند بنت عبد اللّه بن عامر بن كريز ، وليس عبد اللّه بن عامر زوجها بل أبوها.
(٢) المصادر المُتقدّمة باختلاف في بعض الألفاظ.
(٣) بحار الأنوار ٤٠ / ٨٠.