(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (١).
(وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (٢).
والمساجد بمقتضى تشريعها مكشوفة ، والسّقف الموجودة فيها حادثة ؛ لقصد أنْ يأوي إليها الوفود من المرامي السّحيقة الذين لا مأوى لهم ، لتكنّهم من قائض الحرّ وقارص البرد ، فلا يُناسب إطلاق البيت عليها ؛ لأنّه عبارة عن المحلّ المسقوف ، ولا يُطلَق على غير المسقوف ، ولذلك تجد إطلاق بيوت الأعراب على أخبيتهم دون الصحاري التي يسكنونها ، ومن ذلك اُطلق البيت على الكعبة لكونها مسقوفة.
وكما لا يُراد من تلك البيوت ـ التي يجب (أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ـ المساجد ، لا يُراد منها خصوص الكعبة المشرّفة ؛ لأنّ لفظ البيوت في الآية جمعٌ ، وحينئذ فمِن المُتعيّن أنْ يُراد منها بيوتات تكون مستوى لذكر اللّه والدعوة إليه ؛ إمّا بألسنة ساكنيها أو بأعمالهم وجهادهم ، فتكون تلك البيوت منبثق أنوار اللّه.
وإذا فتَّشنا بيوت العالَم فلا نجد ما هو أولى بصدق هذه البيوت عليهم ، إلاّ بيوت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، الذين أنفذوا طاقاتهم في رفع كلمة اللّه العلي وتوحيده ، والتذكير بوعده ووعيده ، فكانت مقصورةً على ذلك دعوتُهم ، منحصراً به هتافُهم حتّى أثبتوه على جبهة الدهر ، وكتبوا بدمائهم الزاكية على صحيفة الزمان ، مع ما لهم من الدؤوب على العبادة والتلاوة في آناء الليل وأطراف النّهار ، وللنّاس بهم اُسوة حسنة.
__________________
(١) سورة البقرة / ١٤٤.
(٢) سورة البقرة / ١٩١.