وليس من الرأي السّديد قصرها على بيوتهم التي يسكنونها أيّام حياتهم ـ بل تعمّها ـ ومشاهدهم المُقدّسة ؛ فإنّهم (أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١). وإذا ثبت في الشُّهداء ـ وهم دونهم بمراتب ـ أنّهم أحياءٌ ، فإنّ أهل البيت عليهمالسلام أولى بذلك ؛ لأنّهم الدعاة إلى سبيل ربّهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، أحياءً وأمواتاً ، وشهداء في سبيل تلك الدعوة المُقدّسة ، وشهداء على أعمال الاُمّة المرحومة.
وعليه فلا يخلو : إمّا أنْ يُراد من الرفع في الآية خصوص العمارة وتشيدها ، كما هو الظاهر على حدّ قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ) (٢). أو يُراد مُطلق التعظيم ؛ وممّا لا شكّ فيه أنّ من أظهر مصاديقه عمارتها وتجديدها عند أولها إلى الخراب ، لتتمّ بقيّة أقسام التعظيم ؛ من تفيِّئ المُتعبّدين ، وانتجاع المُزدلفين إليها ، واختلاف الزوّار إليها ، وذكر اللّه سبحانه ، والصلاة والترحّم على أولياء اللّه المتبوّئين هاتيك المشاهد المُطهّرة ، وتكون تلك القباب والأبنية الشاهقة كنارٍ تدلّ الوافدين على ما هناك من ضالَّتهم المنشودة.
٣ ـ ثُمّ إنّ في الكتاب العزيز شيئاً آخر دلّنا على مشروعية البناء على مراقد الصالحين ، واتخاذ خصوص المساجد عليها ، وهو قوله جلّ شأنه : (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (٣). وذلك أنّ المؤمنين مع ملِكِهم (بيدروس) ، وكان موحّداً ،
__________________
(١) سورة آل عمران / ١٦٩.
(٢) سورة البقرة / ١٢٧.
(٣) سورة الكهف / ٢١.