لمّا وصلوا إلى أصحاب الكهف واطَّلعوا على موتهم في مكانهم ، أمر الملك أنْ يُتركوا في مكانهم ، ويُبنى على باب الكهف مسجدٌ يتعبّد فيه النّاس ويتبرّكون بمكانهم (١).
وهذا منه سبحانه ، وإنْ كان إخباراً عن عمل اُمّة سابقة على الإسلام ، لكنّه مقرون بالتقرير من اللّه عزّ ذكره ، وعدم الإنكار عليهم ، وكُلّما كان الحكم غير مُنكر من الإسلام فهو مستصحبُ البقاء ، والنّسخ وإنْ وقع في الشريعة لكنّه لمجموع هاتيك الشرائع لا لجميعها ، فهو كالعشرة الإبراهيمية (٢) التي لم تُنسخ ولا تُنسخ أبداً كغيرها من الأحكام المُستصحبة.
وإذا أجازت الشريعة الإلهيّة بناء المسجد على اُولئك الصالحين من فتية الكهف للعبادة والتبرّك بهم ، فالحكم شرع سواء فيهم وفي مَن هو أفضل منهم ؛ ألا وهُم الحُججُ المعصومون ، والأولياء المُقرّبون من هذه الاُمّة المرحومة.
وعلى هذا النّهج اللاحب جاءت سنّة الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله ، فإنّه صلىاللهعليهوآله لمّا دفن عثمان بن مظعون أمر بحجر فوضع عند رأسه ؛ مُعلّلاً بأنّه يُعلم منه قبر أخيه ليُدفن إليه مَن مات من أهل
__________________
(١) تفسير البغوي ٣ / ١٥٢ ، الكشّاف عن حقائق التنزيل ٢ / ٤٧٨ ، تفسير النّسفي ٣ / ٩ ، التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي ٢ / ١٨٥ ، تفسير أبي السّعود ٥ / ٢١٥ ، تفسير الآلوسي ١٥ / ٢٣٤ ، الكامل في التاريخ ١ / ٣٥٩ ، قصص الأنبياء للرواندي / ٢٦١ ، قصص الأنبياء للجزائري / ٥٢.
(٢) خمسة من هذه العشرة في الرأس ، وهي : أخذ الشارب ، وإعفاء اللّحى ، وطمّ الشعر ، والسّواك ، والخلال ، وخمسة في البدن : الختان ، وتقليم الأظفار ، والغسل من الجنابة ، والطهور بالماء ، وحلق الشعر من البدن ، تفسير القمّي ١ / ٥٩ ، التفسير الصافي للفيض الكاشاني ١ / ١٨٦ ، مجمع البحرين للطريحي ١ / ٢٤٧.