وأزلّ من أنْ يلمّ بها أو يدنو منها ، ولكنّه قد أقبل في جريدة خيل ، فأخذ على السّماوة حتّى قربوا من واقصة (١) وشراف (٢) ، والقطقطانة (٣) وما والى ذلك الصقع ، فوجّهت إليه جنداً كثيفاً من المسلمين ، فلمّا بلغه ذلك فرّ هارباً ، فأتبعوه ولحقوه ببعض الطريق وقد أمعن ، وكان ذلك حين طفلت الشمس للإياب ، فتناوشوا القتال قليلاً ، فلم يبصر إلاّ بوقع المشرفيّة ، وولّى هارباً ، وقُتل من أصحابه بضعة عشر رجلاً ، ونجا مريضاً بعد ما اُخذ منه بالمخنق ، فلأيا بلأي ما نجا.
وأمّا ما سألتني أنْ أكتب إليك برأيي فيما أنا فيه ؛ فإنّ رأيي جهاد المحلّين حتّى ألقى اللّه ، لا تزدني كثرةُ النّاس عزّةً ، ولا تفرقّهم عنّي وحشةً ؛ لأنّي محقٌّ واللّه مع الحقّ ، وواللّه ، ما أكره الموت على الحقِّ ، وما الخير كُلّه إلاّ بعد الموت لمَن كان مُحقّاً.
وأمّا ما عرضت به من مسيرك إلى بنيك وبني أبيك ، فلا حاجة لي في ذلك ، فأقم راشداً محموداً ، فواللّه ، ما اُحبُّ أنْ تهلكوا معي إنْ هلكت ، ولا تحسبنّ ابن أبيك ، لو أسلمه النّاس ، مُتخشّعاً ولا مُتضرّعاً ، إنّه لكما قال أخو بني سليم :
فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي |
|
صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ |
__________________
(١) موضع قرب الكوفة.
(٢) منزل في طريق مكّة.
(٣) شراف : موضع قريب من مكّة.