الإتجاه الأول : ينحو لعدم الاهتمام بحفط وكتابة السنة النبوية وحتى يمنع من نشرها ، خشية ان تختلط مع القرآن الكريم وقد ادّى هذا الاتجاه الى صدور النهي عن كتابة الحديث (١) مثل ما حدّث به عبدالله بن عمر حيث قال : « كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآله اُريد حفظه ، فنهتني قريش ، فقالوا إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو بشر يتكلّم في الغضب والرضا ! فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك للرسول صلىاللهعليهوآله فقال : اكتب ، فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلاّ حق » (٢) ، كما نسبت في ذلك روايات الى الرسول صلىاللهعليهوآله تنهى عن كتابة الحديث.
ومن الجدير بالذكر تنبّه الخط المانع ( وهو الخط الحاكم آنذاك ) بعد قرن من الزمان الى بطلان هذا الاتجاه ! فدعوا الى كتابة الحديث وعرفوا ان القرآن لا يمكن ان يختلط مع غيره الذي لا يكون معجزا ، ولم ينقص من الاهتمام بالقرآن نتيجة كتابة الحديث. قال السيد رشيد رضا : « ونحن نجزم باننا نسينا وأضعنا من حديث نبيّنا حظّاً عظيماً لعدم كتابة علماء الصحابة كل ما سمعوه » (٣).
الإتجاه الثاني : وهناك اتجاه آخر حَفِظَ السنّة وكتبها ونشرها وتوارثها وأمر المسلمين بكتابتها. وهذا الاتجاه قام به الامام علي عليهالسلام ومَنْ بعده من أئمة أهل البيت الذين صرّحوا بأنّ ما يقولونه هو عبارة عن السنّة النبوية التي كانت محفوظة عندهم بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله . وإليك نموذجاً من الأدلة على ذلك من
__________________
(١) كتاب الغدير ، للعلاّمة الأميني : ج ٦ ، ص ٢٩٤ ـ ٢٩٥ نقلاً عن تاريخ ابن كثير ج ٨ ، ص ١٠٧ ، الروايات في كتاب تنوير الحوالك ، للسيوطي : ج ١ ، ص ٤ و مستدرك الصحيحين ، للحاكم : ج ١ ، ص ١٠٢ ، وراجع تذكرة الحفّاظ : ج ١ ، ص ٧.
(٢) المدخل للفقه الاسلامي ، لمحمد سلام مذكور : ص ١٨٤ ، نقلاً عن ابن عبدالبر في جامعه وابي داود في سننه ، والحاكم وغيرهم.
(٣) تفسير القرآن ، للامام محمد عبده والسيد رشيد رضا : ج ٦ ، ص ٢٨٨.