الدولة الاسلامية. لهذا جعل الاسلام لولي الأمر صلاحية أن يُشرِّع في منطقة الفراغ ـ التي سنحددها ـ أحكاماً حكومتية مؤقتة تمنع في العصر المتطور من تطبيق : « من سبق الى معدن فهو أحق به ». وهكذا نقول في ما شرّعه الاسلام من حرمة احتكار اُمور معينة في صدر الاسلام ( من الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح ) ، اما في زماننا هذا فيمكن لجماعة قد اُتيحت لها قدرة مالية معينة ان تحتكر سلعة معينة كالحديد أو الاسمنت بحيث يرتفع سعرها بما يخيّل بموازين العدالة الاجتماعية ، فيتمكن ولي الأمر أن يتدخل هنا ويمنع من احتكار الحديد أو الاسمنت ويعاقب عليه ، حتى تتمكن الدولة من تنظيم اُمور المسلمين. قال تعالى : ( يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم ... ) (١).
اما حدود هذه المنطقة التي يملؤها الحاكم الشرعي ورئيس الدولة فهو الفعل المباح تشريعياً بطبيعته ، فيحق لولي الأمر اعطاؤه حكماً بالوجوب أو الحرمة ، وهذا الوجوب أو الحرمة لا يتصف بالبقاء الى يوم القيامة ، بل هو تابع للمصلحة التي يراها ولي الأمر للمجتمع ، فقد يُغيَّر بعد مدّة من الوقت أو يُرفَع حسب ما يراه الحاكم من المصلحة.
إن المشرِّع الأول هو الله سبحانه وتعالى ، ويكون دور النبي صلىاللهعليهوآله تبليغ ما شرّعه الله ووصل اليه عن طريق الوحي الى الناس. وهذا ممّا اتفق عليه المسلمون ، وقد ذكرت ذلك الآية القرآنية القائلة : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى ) (٢) ، والنطق في الآية مطلق ورد عليه النفي ، ومقتضاه نفي الهوى عن مطلق
__________________
(١) النساء : ٥٩.
(٢) النجم : ٣ ـ ٤.