الجواب : ان هذا الكلام قد يحصل عكسه في بعض الظروف ، كما إذا كانت قيمة السلع عالية جداً نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي و نجوم الحرب في البلاد وضعف الحكومة ، ثم بعد فترة من الزمن يتحسن الوضع الاقتصادي وتنتهي الحرب وتأتي للحكم حكومة قوية ، فهنا ترتفع قيمة الدينار بحيث إنه إذا كانت قيمته التبادلية كيلواً من السكر ، فأصبحت قيمته التبادلية كيلوين من السكر ، فهل هنا يقول الاقتصاديون الرأسماليون بأن من أقترض خمسين ديناراً وقت الحرب ، فبعد الحرب يؤدي خمسة وعشرين ديناراً لانها هي القيمة التبادلية للخمسين ؟
أقول : لا أظن أن يلتزم بهذا أحد منهم ، وما ذلك إلاّ لأن المقرض هي الدنانير نفسها ، والدنانير هي هي بطبيعتها لا تنزل قيمتها ولا ترتفع ، وإنما الذي ينزل ويرتفع هي السلع ، وهذه السلع ليست هي المُقرَضَة حتى نُلزِم المدين بما يساويها.
ثم حتى لو سلّمنا بصحة هذه المقالة وهي : « أن القيمة التبادلية لدينار اليوم أكبر من القيمة التبادلية لدينار المستقبل » إلاّ أن هذا وحده لا يسوغ الفائدة مالم تتفق الفائدة مع تصورات العدالة التي يتبناها المذهب الاسلامي عن العدالة. فمثلاً ، نحن نعتقد أن كثيراً من العناصر لها دخل في تكوين القيمة التبادلية لسلعة من السلع بعد الانتاج ، كالعامل الذي يغزل الصوف الذي أملكه أنا ، والماكنة التي هي لزيد والتي لها دخل في غزل الصوف ، ووجود قيمة تبادلية للصوف ، هذه الامور كلها لها دخل في تكوين القيمة التبادلية ، إلاّ أنها ليس لها نصيب في تلك السلعة في التوزيع الاسلامي ، وإنما لها الأجر من صاحب الصوف. إذن ، عناصر الأنتاج ليس لها نصيب في السلعة المنتجة بعد الانتاج ، وإنما لها اجور فقط لأنها أدت بذلك عملاً ، وعمل المسلم محترم. فهنا في مسألتنا فلنفترض أن المرابي بأمواله التي قدمها الى المستقرض كان قد تدخل في تكوين القيمة التبادلية للسلعة المنتجة ( الصوف المملوك ) إلاّ أن هذا لوحده لا يسوغ أخذ اجرة ، ما لم تتفق الاجرة المأخوذة مع تصورات العدالة التي يتبناها المذهب الاسلامي ، ولكننا نجد أن الاسلام ـ كما تقدم ـ لا يجيز كسباً من دون انفاق عمل مباشر أو مختزن ، والفائدة