القرآن » إذ قال : « والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير الى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به ، ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقد ، وإذا كان متفاضلاً من جنس واحد. هذا كان المتعارف المشهور بينهم ولذلك قال الله تعالى : ( وما آتَيتُمْ مِنْ رِباً لِيَربُوَا في أموالِ الناسِ فلا يَربُوا عِندَ الله ) فاخبر أن تلك الزيادة المشروطة إنما كانت ربا في المال المعيّن لأنه لا عوض لها من جهة المقرض » (١).
إذن ، لم يكن معنى الربا الجاهلي ذلك المعنى الخاص الذي ذكر له ، وإنما له معنى آخر كما تقدم ، وربما يكون معنى « الربا الجاهلي » هوالمعنى العام الشامل للتأخير في مقابل الزيادة والقرض بفائدة من أول الأمر ، وأن كل أثر لا يحصر معنى « الربا الجاهلي » بما قاله فلا مانع من المعنى العام للربا الجاهلي.
نعم ، إن ما جاء في « أحكام القرآن » هوالحصر ، إذ يقول : « ولم يكن تعاملهم بالربا إلاّ على الوجه الذي ذكرنا من قرض دراهم أو دنانير الى أجل مع شرط الزيادة ». ولكن نقول : ان الحصر لا وجه له لما ذكر من الآثار الكثيرة الدالة على وجود ما يسمى بالربا الجاهلي المتقدم.
ثم على فرض أن يكون للربا الجاهلي ذلك المعنى الخاص الذي ذكر فقط ( وهو التأخير في سداد الدين في مقابل الزيادة ) إلاّ أن هذا المعنى لم يكن دليلاً على استعمال لفظة الربا في ذلك المعنى فقط ، بل يمكن أن تكون لفظة الربا تستعمل في « الربا الجاهلي » وفي الربا غير الجاهلي الذي كان موجوداً في ذلك الزمان وهو « القرض بفائدة » الذي كان شائعاً قبل الاسلام وفي الديانات السماوية قبل الاسلام والذي رُدع عنه أيضاً.
البحث الثاني : وهو : هل المقصود من الآيات القرآنية هو « الربا الجاهلي »
__________________
(١) ج ١ ص ٤٦٥.