الذي هو بمعنى الزيادة في مقابل تأجيل الدين الى الأجل الثاني ؟
نقول : إنما نقبل هذه الدعوى إذا صرح بالنصوص الواردة في تفسير آيات الربا كلها بأن المراد ذلك المعنى من « ربا الجاهلية ». أو أن يكون استعمال هذا المعنى من الربا الجاهلي بصورة كثيرة بحيث نُقِل المعنى العام للربا الى هذا المعنى الجديد ، باعتبار أن كثرة استعمال اللفظ وارادة معنى خاص منه يوجب أن يكون هذا الاستعمال الثاني هو المراد دائماً ويُنسى المعنى الأول ، وحينئذ إذا جاءت لفظة الربا مطلقة فلا يمكن ارادة المعنى الأول منها ، لأن اللفظة إنما يصار الى اطلاقها إذا لم تكن هناك قرينة على القيد ، وهذا المعنى الذي ذكرناه ، أو في الأقل الفرق الخاص بين اللفظة وارادة معنى معين بكثرة هو قرينة على القيد.
ثم بعد هذه المقدمة نقول :
أما التصريح بأن المراد من كل الآيات القرآنية حصة خاصة من الربا ، فلم يرد ذلك أصلا. نعم ، وردت الآثار في خصوص تفسير قوله تعالى : ( أضعافاً مضاعفة ) بأن المراد منه الربا الجاهلي ، وقد تقدم أيضاً بأن الآثار عن معنى الربا الجاهلي مختلفة ويمكن أن يراد جميعها.
ثم إن آية ( اضعافاً مضاعفة ) تريد لفت نظر المرابين الى النتائج الفضيعة التي قد يسفر عنها الربا ، إذ يصبح المدين مثقلاً بأضعاف ما استقرضه لتراكم فوائد الربا ، ولذا نجد القرآن الكريم في آية اخرى يقول : ( وإنْ تُبتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أموالِكُمْ لا تَظلِمُونَ ولا تُظلَمُونَ ) ، إذن المسألة ليست مسألة حرب مع نوع خاص من الربا الجاهلي وهو الذي يضاعف الدين أضعافاً مضاعفة في بعض الأحيان ، وإنما هي مسألة مذهب اقتصادي له نظرته الخاصة الى رأس المال النقدي الذي تحدد له مسوغات نموه و تشجب كل زيادة له منفصلة عن تلك المسوغات مهما كانت ضئيلة ، كما يقرره الزام الدائن بالاكتفاء برأس ماله لا يظلم ولا يُظلم. وهذا سوف نوضحه في الأبحاث القادمة إن شاء الله تعالى.