مقابل الجمل إلاّ إن كان صاحب الصوف بدوره محتاجاً إلى جمل وكان الصوف كثيراً بحيث يقابل قيمة الجمل ، وهكذا بقيّة الاُمور التي هي مورد حاجة الإنسان ، وحينئذ كان اختراع النقد الذهبي والفضّي علاجاً لهذه المشاكل ، فكان للنقد دوره الأصيل وهو :
١ ـ القيام بدور المقياس العام للقيمة ، وأصبح من الميسور تقدير قيم السلع بسهولة.
٢ ـ أصبح أداة للمبادلة.
وبهذا العلاج أصبح عندنا مبادلتان بدل المبادلة الواحدة ، فصاحب الجمل يبيع جمله بمائة دينار ، ثمّ يشتري بعشرة دنانير الصوف الذي يحتاجه. وبهذا زالت جميع صعوبات المقايضة ، وهذا هو الدور الأصيل للنقد.
ولا بأس بالتنبيه إلى أنّ اختراع النقد كان بواسطة الإنسان ، والله سبحانه وتعالى خلق معدن الذهب والفضّة كبقيّة المعادن وبقيّة الأعراض ، ففيهما فائدة في نفسهما كبقيّة المعادن ، وحينئذ يكون الذهب والفضّة عرضاً من الأعراض ونقداً ، وبهذا يختلفان عن الأوراق النقديّة ، حيث أنّها تحمل صفة النقد ولا تحمل صفة العَرَضيّة ، ثمّ إنّ كلّ من قال بأنّ الذهب والفضّة خلقهما الله ثمناً وهما حجران لا منفعة في أعيانهما ، لا دليل له يقدّمه على كلامه بل الوجدان يقضي بخلاف ذلك ، إذ أنّهما زينة ويستعملان كعرض من الأعراض في حياة الإنسان المترفة كتزيين السقوف وصنع الأواني وأدوات الحلاقة وغير ذلك ممّا يحتاجه الإنسان من بقيّة المعادن.
وقد خرج النقد الذهبي والفضّي عن دوره الأصيل الذي وجد لأجله وهو دور « المقياس العام للقيمة وأداة المبادلة » نتيجة ظلم الإنسان ، فحدثت مفاسد من هذا الأمر ، وتوضيح ذلك :