لقد استخدم النقد للقيام بدور طاريء لم يوجد لأجله وهو دور ( الإدخار والإكتناز ) فقد أخذ الإنسان يبيع سلعته لا لحاجة له بسلعة اُخرى يشتريها ، بل لأجل أن يحوّل سلعته إلى نقد يختزنه لوقت الحاجة ( إذ أصبح النقد هو الوكيل العام عن السلع ) ، وهذا معناه أنّ البيع لم يوجد لأجل الشراء المحتاج إليه في الإنتاج أو الإستهلاك ، وإنّما وجد البيع لأجل أن يمتص النقود فيختزنها ( إذ هي قابلة للإختزان من دون نقص في قيمتها ، ولا يحتاج إدخارها إلى نفقات بعكس إدخار السلع ) ، وهذا هو الدور الطاريء للنقد حيث أصبح النقد وسيطاً بين الإنتاج والإدّخار.
ومعنى هذا الدور أن المشتري ـ الذي اشترى سلعة ودفع نقداً فادخره البائع ـ لم يتمكّن أن يبيع منتوجه ، لأنّ البائع قد اكتنز النقد وسُحِبَ من مجال التداول فظهر الإختلال في توازن العرض والطلب الذي كانا متساويين في عصر المبادلة.
ثمّ إنّ الإختلال في توازن العرض والطلب يؤدّي إلى الكساد وعدم تصريف السلعة ، وهذا بدوره سوف يؤدّي إلى الإستغناء عن بعض العمّال وسدّ بعض المعامل فتحدث البطالة التي تعاني منها السوق الرأسماليّة.
ثمّ لم تقف المفاسد عند هذا الحدّ ، إذ قد يأتي المحتكر الذي اكتنز النقد ، ويخلق طلباً كاذباً فيشتري كلّ أفراد السلعة من السوق لا لحاجة إليها بل ليرفع ثمنها ، أو يعرض السلعة بأثمان دون كلفتها بقصد إلجاء المنتجين والبائعين الآخرين إلى الإنسحاب من ميدان التنافس وإعلان الإفلاس ، وبهذا تصبح الأثمان غير حقيقيّة وتكون السوق تحت رحمة المحتكرين ، ويسقط آلاف المنتجين والبائعين الصغار فريسة المحتكرين الكبار.
ثمّ يبقى المكتنز والمحتكر يبيع لأجل الإكتناز ، وبهذا يسحب النقد من مجال التداول وبهذا يقل الإستهلاك أو يتوقّف لإنخفاض المستوى الإقتصادي للجمهور ، وبهذا تقل أو تتعطّل حركة الإنتاج لعدم وجود القدرة الشرائيّة عند