وكان يطوي يومين أو ثلاثة من الجوع ، ويشدّ حجر المجاعة على بطنه الشريف.
وكان فراشه التراب ، ووساده الحجر.
ومن خبر ضرار بن ضمرة الضبابي (١) عند دخوله على معاوية ومسألته عن أمير المؤمنين ، قال فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله ، وهو قائم في محرابه ، قابض على لحيته ، يتململ تململ السليم أي الملسوع ويبكي بكاء الحزين ، وهو يقول : «يا دنيا يا دنيا ؛ إليك عنّي ، أبي تعرّضت؟ أم إليّ تشوّقت؟ لا حان حينك ، هيهات هيهات غرّي غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلّقت ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير ، آه من قلّة الزاد وطول الطريق وبُعد السفر وعظيم المورد».
فقال له معاوية لعنه الله ؛ يا ضرار ، صف لي عليّاً ، فقال له : اعفني من ذلك ، فقال : ما أعفيك يا ضرار ، قال : ما أصف منه؟! كان والله شديد القوى ، بعيد المدى ، ينفجر العلم من أنحائه ، والحكمة من أرجائه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته.
لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، حسن المعاشرة ، سهل المباشرة ، خشن المأكل ، قصير الملبس ، غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلّب كفّه ، ويحاسب نفسه.
وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا سكتنا ، ونحن مع تقريبه إلينا أشدّ ما يكون صاحب لصاحبه هيبةً لا نبتدئه الكلام لعظمه ، يحبّ المساكين ، ويقرّب أهل الدين.
وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه ، قابضاً على لحيته ، يتململ تململ السليم أي الملسوع ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا يا دنيا ، غرّي غيري ، أبي تعرّضت أم إليّ تشوّقتِ ، هيهات هيهات ، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وخطرك حقير ، آهٍ من قلّة الزاد وبعد السفر
__________________
(١) في نهج البلاغة : ٤٨٠ حكمة ٧٧ ضرار بن حمزة الضبائي ، وفي إرشاد القلوب ٢ : ٢٤ ضرار بن ضمرة اللّيثي.