ومن تأمّل في دعواته ومناجاته وأوراده المنقولة عنه وصلاته ، ظهر ذلك له كلّ الظهور.
وأمّا الحلم
فكان عليهالسلام أحلم الخلق وأشدّهم عفواً ، وينبئ عن ذلك : عفوه عن عائشة بعد ما فعلت فعلها الشنيع ، وعفوه عن عبد الله بن الزبير ، وكان أشد الناس له عداوة ، وعفوه عن سعيد بن العاص بعد ظفره به.
وعن أهل البصرة بعد انكسار شوكتهم ، ونادى مناديه : لا يُجهز على جريح ، ولا يُتبع مدبر ، ولا يُقتل مستأسر ، ومن ألقى سلاحه فهو أمن ، ولم يأخذ أثقالهم ، ولا سبى ذراريهم (١).
وعن عسكر معاوية ، لمّا منعوه من الماء ، فوقع عليهم وكشفهم عنه بعد المقاتلة العظيمة ، فشكوا إليه العطش ، فأمر أصحابه بتخلية الشريعة لهم ، وقال : «في حدّ السيف ما يُغني عن ذلك» (٢).
وأمّا الفصاحة
فهو إمام الفصحاء ، وسيّد البلغاء ، وفي كلامه قيل : إنّه فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق (٣).
وقيل في ذلك : أنّه لو لم يكن في البرية قرآن لكان نهج البلاغة قرآنهم.
وفي النظر في خطبه ، ومواعظه ، ومناجاته ، ودعواته ، ما يغني عن البرهان.
ولما قال محقن بن أبي محقن لمعاوية : جئتك من عند أعيا العرب يعني عليّاً فقال له معاوية : ويحك ، والله ، ما سنّ الفصاحة لقريش غيره (٤).
__________________
(١) مروج الذهب ٢ : ٣٧٨ ، شرح نهج البلاغة ١ : ٢٣ ، ينابيع المودة ١ : ٤٥٠.
(٢) ينابيع المودّة ١ : ٤٥١ ، مروج الذهب ٢ : ٣٨٦.
(٣) وشرح نهج البلاغة ١ : ٢٤.
(٤) وشرح نهج البلاغة ١ : ٢٤.