البحث السادس عشر
الأمر كائناً ممّن كان ، من شارع أو غيره ، لا يخلو من أحوال :
أحدها : ما يتعلّق بالزمان والمكان واللباس والوضع والعدد ونحوها ، فمرّة يطلق ومرّة يقيّد فيها ، وعلى ذلك جرت عادة الأوامر والخطابات في جميع اللغات.
فقد يتعلّق خطاب الشارع بالمطلق ، كالخطاب بالأذكار والدعوات والمناجاة ونحوها ؛ فلا يقيّد بشيء منها ، ولا يتفاوت من جهتها إلا لبعض العوارض.
ومرّة يقيّد بالمكان مع زيادته على محلّ الفعل كمواضع الصلاة والزيارة والاعتكاف ونحوها في مواضعها المتّسعة ، أو مساواته كما إذا ضاق عليه لفوات الوقت بحركته عنه ، أو لإحاطة المحلّ المغصوب أو المتنجّس به ، أو للالتزام به بنذر ونحوه.
وكذا الكلام في اللباس والوضع والعدد ، فلكلّ قيد توسعة وتضييق ؛ فمصلحة الفعل إن حصلت بالمطلق أطلق الأمر ، وإن اختصّت بالمقيّد اتّبعت المقيّد زائداً أو مساوياً ، لا ناقصاً مع عدم انقلاب التكليف ، فإذا أطلق الأمر لم يكن للزمان دخل وُجِدَ أو عدم ، كالمكان المطلق ، وإنّما هما من لوازم الوجود.
وإن خصّت مصلحة الفعل وقتاً فإن زاد على مقدار الفعل فهو موسّع ، وإن ساواه في الأصل فهو مضيّق أصلي ، أو بالعارض فهو عارضي ، ولا يمكن نقصانه عنه.
ثمّ التخصيص إن كان لكونه مقدّم الأفراد الموهومة وجميعها مشمولة للأمر الأوّل ، فهذا حكم الفور ، وإن لم تكن مشمولة حتّى لو تأخّرت كانت قضاءً لحكم التوقيت.
ومن زعم عدم جواز التوسعة حتّى خصّ ما ظاهره ذلك بأوّل الوقت أو أخره أو زعم ما زعم فقد أخطأ (١).
ومن أراد زيادة البصيرة في الخطابات الشرعيّة فليتأمّل في أحوال الأوامر العرفيّة والعاديّة.
__________________
(١) حكاه عن بعض الحنفيّة في معارج الأُصول : ٧٤.