الضرورة مباحاً ، ولا أكل الحلال بالنسبة إلى من يضرّه حراماً.
وبعد الوصول إلى هذه الدرجة ينظر فيها نظر الأدلّة في العمل بالراجح ، وتكون الشهرة أحدها ، فتقدّم البسيطة على المركّبة ، والمعلومة بتحصيل أو طريق قاطع على المظنونة ، وشهرة القدماء على شهرة المتأخّرين والأواسط ، والأخيرة على المتوسّطة (١) ، وليست حجّة في نفسها على المشهور ، والشهرة في عدم حجّيّة الشهرة لا تصلح مستنداً ، لكنّها مؤيّدة للمنع.
وإذا تأمّلت بحال العبد مع مولاه ، مع العلم بإرادته وظنّه المعهود إليه في العمل به ، وباقي الظنون إذا انسدّ الطريق اتّضح لك الحال.
وجبر الأخبار الضعيفة بها لا يقتضي حجيّتها ، فإنّ سائر الظنون تجبرها ، وإنّما انجبرت لتقوّي الظنّ بها ؛ لأنّ المدار على الظنون الاجتهاديّة في صدق الأخبار المرويّة ، فتكون الظنون في شأنها متساوية ، لا تختلف إلا بالقوّة والضعف.
البحث الخامس والأربعون
في أنّ الأدلّة المثبتة للأحكام مقتضى القاعدة فيها اشتراط أن تكون علميّة أوّلاً وبالذات ، أو راجعة إلى العلم بالأخرة.
أمّا ما لا رجوع فيها إلى العلم فلا اعتبار لها ؛ لأنّ العقل لا يجوّز العمل على ما يحتمل خلاف المراد ولو وهماً ، إلا أن يوجبه أو يجبره العقل من جهة الاحتياط في تحصيل المراد ، حيث يؤمن في الطرف الأخر من الفساد ، فينتهي إلى العلم.
أو يجعله الشرع مداراً في الحكم ، كما جعل الظنّ والشكّ والوهم مداراً في ثبوت النجاسة والحدث بخروج المشتبه من البول أو المنيّ قبل الاستبراء.
وكذا احتمال التذكية في يد المسلمين أو سوقهم ، والتملّك في أيديهم والصحّة في معاملاتهم ودعاويهم ، ونحو ذلك.
__________________
(١) المراد بالأخيرة هي شهرة الأواسط ، والمتوسطة هي شهرة المتأخّرين ، يعني الأخيرة والمتوسطة بحسب الترتيب الذكري المار.