وأمّا المجتهد بالأحكام الشرعيّة فحاله كحال المجتهد في الأحكام العاديّة والعرفيّة ، وكحال العبيد إذا اجتهدوا في معرفة حكم ساداتهم ، وكلّ من تحت أمر مفترضي الطاعة إذا اجتهد في موافقة أمرهم وطاعتهم ، وهو من قسم الإدراك الذي هو طريق إلى الواقع ، لا من قبيل الصفات والموضوعات التي هي متعلّق حكم الشارع.
ومن نظر في الأخبار ، وجال حول تلك الديار ، واطّلع على تخطئة الأئمّة لفحول الأصحاب ، وتخطئة بعضهم لبعض من غير شكّ وارتياب ، وفيما اشتهر على لسان الفريقين من رواية «أنّ الفقيه إذا أخطأ كان له حسنة ، وإن أصاب فعشر» (١) ما يغني.
لكنّا نختار فيه حيث لا نعلم بطلان ما سبق بل نظنّ قسماً ثالثاً لا يدخل في قسم الواقعيّات وتبدّل الموضوعات لما ذكرنا من الأُصول والقواعد وظاهر العمومات في كتاب الله وفي الروايات ، مضافاً إلى أدلّة أُخر ، قد اتّضح حالها فيما مرّ. ولا من الأعذار المحضة التي يرتفع حكمها بارتفاع الاجتهاد.
وعليه يلزم على المجتهد ومقلّديه بعدوله عن الاجتهاد ، الحكم على ما مرّ بالفساد ولزوم الإعادة والقضاء فيما فيه قضاء وإن كان هو الموافق للأصل وغيره من الأدلّة كما مرّ ؛ لترتّب الحرج على ذلك ، وخلوّ الأخبار والمواعظ والخطب عن بيانه ، مع أنّ وقوع مثله من الأصحاب كثير لا يعدّ بحساب ، على أنّه لا رجحان للظّنّ على الظنّ السابق حين ثبوته.
وإن جعلنا الصحّة عبارة عن ترتّب الآثار ، كسقوط القضاء أو موافقة الأمر مطلقاً ولو ظاهريّاً ، كان عمل المجتهد ومقلّديه صحيحاً.
وإن اعتبرنا فيها موافقة الأمر الواقعيّ سمّيناه فاسداً.
وعلى كلّ حال فالقول بتصويب المجتهد على معنى أنّه ليس لله حكم واقعيّ ، بل حكمه ما أودع في قلوب المجتهدين منافٍ لضرورة المذهب بل والدين (٢) بل دين
__________________
(١) صحيح مسلم ٣ : ٥٥٢ ح ١٧١٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٦١٥ ح ١٣٢٦ بتفاوت ، سنن النسائي ٨ : ٢٢٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٧٦ ح ٢٣١٤ ، مسند أحمد ٤ : ٦٢ ، وج ٥ : ٣٧٥ ، كنز العمال ٥ : ٨٠٢ ح ١٤٤٢٨.
(٢) في «ح» : بل و.