ثمّ لم يعلم أنّهم اشتركوا جميعاً في نقل كلّ رواية على طريق التنزّل ، وإلا فقد علم عدم الاشتراك ، وعلى فرضه لا يحصل العلم من علمهم.
وأمّا على تقدير الاختصاص ، وعدم معرفة عدد المختص فلا علم بديهة.
ومن أمعن في كتبهم نظره ، وأجال في اختلافاتهم فكره ، فهو بين مجادلٍ ، وبين مظهر للدعوى ، وليس بها قائل ، وبين من إذا تحقّقتَ رأيه وجدته معنا (١) ، وليس بيننا وبينه خلاف في المعنى.
ثمّ لو كان النقد باعثاً على الاعتماد ، لا لاكتفى المتأخّر من المحمّدين بنقد من تقدّم منهم.
وأمّا الاستناد إلى الآيات والروايات الموجبة لاتّباع العلم ؛ فهو كإقامة البرهان على إثبات ما يتعلّق بالوجدان ، كأن تقام الحجّة في إثبات العطش ، والجوع ، والأمن ، والخوف ، والعلم ، والجهل ، وبالعكس على المتّصف بأضدادها ؛ فإنّ تلك الصفات لا تتبدّل بإقامة الأدلّة على خلافها ، والأمر بذلك تكليف بما لا يطاق.
فكلّ عاقل يدّعي حصول العلم غير متجوّز به ، ولا مريد للقطع بالحكم الظاهري ، ولا بانٍ على تجديد الاصطلاح في تغيير الاسم ، فهو إمّا مجادل في دعواه ، أو ناطق باللفظ غير قاصدٍ لمعناه.
نعم لو قال قائل «بأنّ نقد المحمّدِين الثلاثة مدخل للأخبار المرويّة في كتبهم في ضمن الأخبار الصحيحة في لسان القدماء» لم يكن مُغرباً ، وإن كان الحقّ خلافه.
البحث التاسع والأربعون
في أنّه لا بدّ من أخذ الأحكام إذا لم تكن من ضروريّات الدين والمذهب يتساوى فيها المجتهد والمقلّد ، وجوباً أو تحريماً أو ندباً أو كراهة أو إباحة أو وضعاً إن جعل سادساً من المدارك النظريّة.
فالمجتهد المطلق لا المتجزّي ؛ لأنّه كالعامي في المأخذ مأخذه العقل والسمع ،
__________________
(١) في «س» ، «م» : وجدته معيّناً معنى.