وقوله : «إنّما الأعمال بالنيّات» (١) وقوله : «إنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٢) ونحو ذلك.
وهذه الأخبار يمكن أن يراد بالنيّة فيها المعنى الأخصّ ، وهي المقرونة بقصد القربة ، وبالعمل العبادة بالمعنى الأخصّ أيضاً ، فيكون النفي على حاله ؛ وأن يُراد المعنى الأعمّ ، فتعمّ العبادات والمعاملات ، ويكون النفي نفي الصحّة ؛ لأنّه أقرب إلى حقيقة النفي من نفي الكمال.
ومن جملة ما دلّ على مزيّتها وشدّة العناية بها قوله عليهالسلام : «نيّة المؤمن خير من عمله» (٣) ، وفي رواية : «أفضل من عمله» (٤) ، وفي أُخرى : «أبلغ من عمله» (٥).
وأورد بعضهم إشكالاً في المقام حاصله : أنّه كيف تكون النيّة أفضل من العمل ، مع أنّه المتضمّن للتعب والمشقّة ، وأفضل الأعمال أحمزها (٦) ، مضافاً إلى أنّه المقصود بالأصالة والنيّة من التوابع ، مع أنّ مدح العاملين والعابدين والمصلّين والراكعين والساجدين ونحوه مبنيّ على العمل (٧).
وفيه مع ما فيه من أنّ المراد بالأحمز المجانس وما استند إلى الذات ، وأنّه لا مانع من أفضليّة التابع على المتبوع من غير وجه التبعيّة ، وأن زيادة المدح لا تستلزم الأفضليّة ، مضافاً إلى أنّه ربّما كان بسبب النيّة أنّه يمكن توجيهه بوجوه عديدة.
أوّلها : أنّ المراد به أنّ نيّة المؤمن بلا عمل خير من عمله بلا نيّة.
ثانيها : أنّه عامّ مخصوص ، والمراد به أنّ نيّة الأعمال الكبار خير من الأعمال الصغار.
ثالثها : أنّ النيّة قد تتعلّق بالاستدامة على العمل ، فيُثاب عليها بذلك النحو ،
__________________
(١) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٨ ، أمالي الطوسي : ٦١٨ ح ١٢٧٤.
(٢) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٨ ، أمالي الطوسي : ٦١٨ ح ١٢٧٤.
(٣) الكافي ٢ : ٨٤ ح ٢ ، المحاسن : ٢٦٠ ح ٣١٥ ، الوسائل ١ : ٣٥ أبواب مقدّمة العبادات ح ٣.
(٤) الكافي ٢ : ١٦ ح ٤ ، وفيه : النيّة أفضل من العمل ، علل الشرائع : ٥٢٤ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٣٨ أبواب مقدّمة العبادات ب ٦ ح ١٧.
(٥) أمالي الطوسي : ٤٥٤ ح ١٠١٣ ، الوسائل ١ : ٤٠ أبواب مقدّمة العبادات ب ٦ ح ٢٢.
(٦) هذا مضمون ما روي عن النبيّ (ص) ، أورده ابن الأثير في النهاية ١ : ٤٤٠ ، والطريحي في مجمع البحرين ٤ : ١٦.
(٧) البحار ٦٧ : ١٨٩ كتاب الإيمان والكفر ب ٥٣.