تحريضه على الوهّابيّين
بعد ظهور بدعة محمَّد بن الوهّاب وانتشار مذهب الوهّابيّة في طائفة عنزة اعتنق هذا المذهب سعود بن عبد العزيز ، وبه عظمت شوكة الوهّابيّين وكانت له هجمات وحشيّة على العراق فضربوا في الهمجيّة والوحشيّة الرقم القياسي ، فإنّ وحشيّتهم تنفر منها آكلة لحوم البشر ، كلّ ذلك عداوة ونفوراً عن الحقّ ودليله.
وطالما عانت منهم العتبات المقدّسة في سفك الدماء ونهب الأموال ، فقد عاثوا في كلّ كربلاء المقدّسة ، إلا أنّهم لم يستطيعوا أن يفعلوا في النجف ما فعلوه في غيرها ببركة هذا الشيخ وأمثاله.
ففي سنة «١٢١٧ ه ق» غار عبد العزيز الوهّابي على الحرمين الشريفين النجف وكربلاء وقتل جماعة من العلماء والمجاورين ، ومن جملة من قتلهم العالم الفاضل الكامل ملّا عبد الصمد الهمداني صاحب بحر المعارف.
ولمّا بلغ أهل النجف نبأ توجهه إلى البلدة ، وأنّه قاصد مهاجمتها على كلّ حال ، فأوّل ما فعلوه أنّهم نقلوا خزانة الأمير عليهالسلام إلى بغداد خوفاً عليها من النهب كما نهبت خزانة الحرم النبوي ، ثمّ أخذوا بالاستعداد له والدفاع عن وطنهم وحياتهم.
وكان القائم بهذا العبء ، والمتكفّل شؤون الدفاع هو العلّامة الزعيم الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء «رحمهالله» ، وساعده بعض العلماء ، فأخذ بجمع السلاح ، وبجلب ما يحتاج إليه في الدفاع ، فما كانت إلا أيّام حتّى ورد الوهّابي بجنوده ونازل النجف ليلاً ، فبات تلك الليلة ، وعزم على أن يهجم على البلدة نهاراً ، ويوسّع أهلها قتلاً ونهباً.
وكان الشيخ «رحمهالله» قد أغلق الأبواب ، وجعل خلفها الصخور والأحجار ، وكانت الأبواب يومئذٍ صغيرة ، وعيّن لكلّ باب عدّة من المقاتلة ، وأحاط باقي المقاتلين بالسور من داخل البلدة ، وكان السور يومئذٍ واهي الدعائم ، بين كلّ أربعين أو خمسين ذراعاً منه قولة أي حصار وكان قد وضع في كلّ قولة ثلّة من أهل العلم شاكين بالسلاح ، فكان جميع ما في البلدة من المقاتلة لا يزيدون على المأتين ؛ لأنّ أغلب الأهالي خرجوا هاربين حينما وقفوا على توجّه العدوّ ، واستجاروا بعشائر العراق ، فلم يبقَ مع الشيخ إلا ثلّة من مشاهير العلماء ،