وإنّما أوردنا البحث في هذا المقام وهو جارٍ في كلّ واجب وحرام ؛ لزيادة الاهتمام.
ومنها : لزوم المباشرة وعدم إجزاء النيابة فيها ؛ للأصل ؛ ولاقتضاء ظاهر الأمر بالفعل مباشرته لا مجرّد وجوده ، إلا مع القرينة ، ولأنّ الغرض منها غالباً ليس مجرّد وجود الفعل ، بل حسن الخدمة المشتملة على الخشوع والخضوع والتذلّل ، ولا تتمّ إلا بالمباشرة.
فالذي يقتضيه الأصل من اشتراطها ، وظاهر الخطاب ، وحكمة التكليف أنّ العمل لا يصحّ بدونها من صلاة أو صيام أو أذكار أو دعوات أو تعقيبات أو تلاوة قران ، عينيّة أو كفائيّة ، فرضيّة أو نفليّة إلا ما علم أنّ غرض الشارع منه نفس الإيجاد من المكلّف بمباشرته أو بالواسطة ؛ وأنّ النيابة فيه كافية عن الأموات مطلقاً ، والعاجزين من الأحياء في بعض الأشياء ، وعن القسمين معاً في الحجّ والعمرة وذبحهما ونحرهما ، والزيارات وما يتبعهما من الصلوات إلى غير ذلك من المنصوص في الروايات ، والجواز فيها ضمنيّةً لا يستلزم الجواز فيها أصليّةً.
وينعكس الحال بالنسبة إلى الأفعال ، بل الأقوال على احتمال في المعاملات ، فإنّها وإن اقتضى ظاهر الطلب مباشرتها ، لكنّ الظاهر من حال المعاملين طلب وجودها بعد شغل الذمّة بها من أيّ موجدٍ كان ، فشغل ذمّة الأُجَراء مثلاً بالأعمال كشغل ذمّة المدينين بالمال إنّما غرضهم وصول المال ، فإذا أجر الأجير نفسه على عمل عبادة أو غيرها عن حيّ أو ميّت فقد شغل ذمّته به ، ووجب عليه السعي في إيجاده من أيّ موجد كان ، إلا إذا شُرطت عليه المباشرة ، أو علمت إرادة الخصوصيّة من خارج ، ولو من زيادة الأُجرة ، فيتعيّن عليه حينئذٍ.
كما أنّه قد يتعيّن عليه خلاف المباشرة بقرينة عدم قابليّته ولياقته وأهليّته.
وقد يقال بالفرق بين أن يقول الأجير : أجرتك نفسي على أن أفعل كذا ، وأن يقول : عليّ فعل كذا ، وبين قول طالب المنفعة : صالحتك بكذا ، وجعلت لك كذا على عمل كذا ، وقوله : على أن تعمل كذا ، فتلزم المباشرة في الأوّل من الأوّل ، والثاني من الثاني.
وفي مواضع صحّة الاستنابة في الواجبات يجب مع العجز تحصيل النائب مجّاناً