ثمّ لولا ذلك لم يحسن الوعد والوعيد ، والترغيب والتهديد ، ولساوى أفضل الأنبياء في الفضيلة أشقى الأشقياء.
وفيما تواتر من بعض الكرامات كإحياء كثير من الأموات ، وإخبارهم عمّا شاهدوا من الكربات ، وما شاهده بعض الأولياء عند الممات كفاية لمن نظر ، وعبرة لمن اعتبر.
وكفى في ذلك شهادة الآيات ، ومتواتر الروايات ؛ مع ما دلّ على عصمة الأنبياء ، وعدم جواز صدور الكذب منهم والافتراء.
والمقدار الواجب بعد معرفة أصل المعاد معرفة الحساب وترتّب الثواب والعقاب.
ولا تجب المعرفة على التحقيق التي لا يصلها إلا صاحب النظر الدقيق ، كالعلم بأنّ الأبدان هل تعود بذواتها ، أو إنّما يعود ما يماثلها بهيئاتها؟
وأنّ الأرواح هل تعدم كالأجساد ، أو تبقى مستمرّة حتّى تتصل بالأبدان عند المعاد؟
وأنّ المعاد هل يختصّ بالإنسان ، أو يجري على كافّة ضروب الحيوان؟
وأنّ عودها بحكم الله دفعيّ أو تدريجيّ؟
وحيث لزمته معرفة الجنان وتصوّر النيران لا تلزمه معرفة وجودهما الان ، ولا العلم بأنّهما في السماء أو في الأرض أو تختلفان.
وكذا حيث تجب عليه معرفة الميزان ، لا تجب عليه معرفة أنّه ميزان معنوي ، أو له كفّتان ، ولا تلزم معرفة أنّ الصراط جسم دقيق ، أو هو عبارة عن الاستقامة المعنويّة ؛ على خلاف التحقيق ، والغرض أنّه لا تشترط في تحقّق الإسلام معرفة أنّهما من الأجسام وإن كانت الجسميّة هي الأوفق بالاعتبار وربما وجب القول بها عملاً بظاهر الأخبار (١).
ولا تجب معرفة أنّ الأعمال هل تعود إلى الأجرام ، وهل ترجع بعد المعنويّة إلى صور الأجسام؟
ولا تلزم معرفة عدد الجنان والنيران ، وإدراك كنه حقيقة الحور والولدان.
__________________
(١) أُنظر الكافي ٨ : ٩٥ ح ٦٩ وص ٣١٢ ح ٤٨٦ ، ونهج البلاغة : ١١١ الخطبة ٨٣ ، ومعاني الأخبار : ٣٢ ، وتفسير الصافي ١ : ٨٥ ، وبحار الأنوار ٧ : ٣٧ ح ٥ والترغيب والترهيب : ٤٢٨ و ٤٢٩.