وحيث لزم العلم بشفاعة خاتم الأنبياء ، لا يلزم معرفة مقدار تأثيرها في حقّ الأشقياء.
وحيث تلزمه معرفة الحوض لا يجب عليه توصيفه ولا تحديده وتعريفه.
ولا تلزمه معرفة ضروب العذاب وكيفيّة ما يلقاه العصاة من أنواع النكال والعقاب.
نعم ينبغي لمن صبغ بصبغة الإسلام ، وتجنّب عن متابعة الهوى والشيطان ، أن يشغل فكره فيما يصلح أمره ، ويرفع عند الله قدره ، ويستعين على نفسه بالتفكّر فيما يصيبه إذا حلّ في رمسه ، وما يلقى من الشدائد العظام بعد الحضور بين يدي الملك العلام ، ويكثر النظر في المرغّبات المحرّكة للنّفس إلى طاعة ربّ السماوات ، كالتفكّر في تلك الجنان وما فيها من الحور والولدان ، والتأمّل في تلك الأشجار الحاوية لما تشتهيه الأنفس من الثمار.
فينبغي للعاقل أن يفرض الجنّة كأنّها بين يديه ، ويتخيّل النار كأنّها مشرفة عليه ، هذه تسوقه وتلك تقوده ، فليخشَ من لحوق السائق ، وليحكم الجانب ، حذراً من انقطاع الزمام بيد القائد.
وهذه المعارف الثلاث أُصول الإسلام ، فمن أنكر منها واحداً عرف بالكفر بين الأنام.
ولا فرق بين إنكارها من أصلها ، وبين عدم معرفتها وجهلها.
نعم يحصل الاختلاف في بعض شعوبها وأقسامها وضروبها.
فإنّ منها : ما يكون عدم العلم به مكفّراً ، من دون فرق بين الإنكار والشكّ والذهول تساهلاً.
ومنها : ما يكون كذلك بشرط الإنكار والجحود.
ومنها : ما يكون فيه ذلك مع الإنكار والشكّ فقط.
وبعضها يلزم منها العصيان دون الكفر ، وهو منقسم إلى تلك الأقسام.
فمن أراد تمام المعرفة ، فليرجع إلى بعض العارفين ؛ ليقف على حقيقة ذلك ، والله وليّ التوفيق.