يستحيل على الحكيم أن يحيل إلى خلقه هذا الأمر العظيم ، الذي عليه مدار الأحكام ، وامتياز الحلال من الحرام ، وكشف حقائق الأشياء ، وتمييز تكاليف ربّ السماء ، مع أنّه لم يُحل إليهم شيئاً أمَرَ به من الواجبات ، بل ولا أقلّ شيء من المسنونات والمندوبات.
مع أنّ في تلك الإحالة بعثاً على إثارة البغضاء ، وإقامة المنازعة الشديدة والشحناء ، كما يظهر من تتبع أحوال المهاجرين والأنصار حين فقدوا النبي المختار صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكلّ يدّعي أنّه بالإمامة أولى ، وأنّ قَدْرَهُ من قدر غيره أعلى ، حتّى حصلت الفضيحة الكبرى ، وظهر حرص القوم على الدنيا وإعراضهم عن الأُخرى.
على أنّه كيف يرضى (١) العقل لسيّد الكونين ، وخيرة ربّ العالمين ، المبعوث رحمةً للناس ، أن يوصي ببعض الأثاث والعروض واللباس ، ويبيّن موضع الدفن وكيفيّة الكفن ، ولا يوصي بما لو أُطيع به لارتفعت الفتن ، ويدع الخلق في هرج ومرج ، ولا يقيم لهم ما يصلح به العوج! وحيث بطل طريق الاختيار تعيّنت إمامة الأئمّة الأطهار ، وعُلم أنّ الأئمّة هم اثنا عشر ؛ بانقراض أو شبه انقراض الطوائف الأُخر.
وكذا يمكن إثبات ذلك بأوضح المسالك ، وذلك بما أوضحناه من وجوب العصمة في الإمام ، وذلك لا يُعرف لغيرنا من أهل الإسلام.
على أنّ التأمّل في الوقائع السالفة ، والأحوال العارضة في عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قرب الممات : كالتفكّر في سرّ إبعادهم مع أُسامة وإبقاء عليّ عليهالسلام ، مع أنّه يخبر بقرب الأجل.
والتشديد على إنفاذ الجيش (٢) ، وسرّ العزل عن الصلاة (٣) ، وسرّ الغوغاء في الرقعة والدواة ، وشدّة الامتناع عنها (٤) ، وشدّة العناية في يوم الغدير مع شدّة
__________________
(١) في «س» : يرى.
(٢) الطبقات الكبرى ١ : ٥٢١ ، الاستغاثة : ٥٣ ، الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٣ ، سيرة المصطفى : ٧٠٥.
(٣) المسترشد في الإمامة : ١١٣ ، ١١٦ ، وفيه : صلّى بالناس وأخّر أبا بكر ، حقّ اليقين للشبر ١ : ٢١٤.
(٤) مسند أحمد ٣ : ٣٤٦ ، الطرائف : ٤٣١.