حاصل هذا التلوين سوف يكون شكلاً معيناً ولنفرضه شكلاً مربعاً ، فإنك وبعد النظر إلى ذلك سينعكس في ذهنك مفهومان : أحدهما اللون الأخضر والآخر عبارة عن الشكل المربع الذي يُعدّ حداً للّون الأخضر ، فمفهوم اللون الأخضر له مصداق حقيقي وهو اللون الذي ارتسم على اللوحة ، وأما مفهوم الشكل المربع فليس له مصداق حقيقي في الخارج. نعم اللون الأخضر حيث ينتهي عند حدود خاصة فلابد وأن يكون له شكل معين وقد اتخذ هنا شكلاً مربعاً ، وهو ليس إلا حداً فاصلاً يفصل وجود اللون الأخضر عن اللون الأبيض للّوحة ، وأما الشكل المربع فلا عينية له في الخارج؛ بمعنى إنه لا يوجد في الخارج إلا اللون الأخضر؛ لأن الحدّ نهاية الشيء التي تميّزه عن غيره ونهاية الشيء لا تمثل شيئاً ، وأما الشكل فلا مصداق له يمثله ، بل إنَّ الذهن قد اِنتزعه من الوجود الخارجي للّون الأخضر.
وهكذا يتضح حال الوجود والماهية ، فإن الواقع الخارجي للأشياء ليس سوى مصاديق لمفهوم الوجود ، إلا أنّ ذهن الإنسان يرسم لهذا الوجود حدّاً يميّزه عن غيره من المصاديق العينية الخارجية التي تشترك معه في الوجود ، فالإنسان مثلاً من أجل تشخيصه عن غيره من المصاديق الخارجية التي تشترك معه في الحيوانية يوضع له مائز يميّزه عنها وذلك المائز هو كونه ناطقاً ، فيقال بأنه : «حيوان ناطق» أي أن هذا الإنسان يمتاز عن غيره من الحيوانات بأن له قدرة على التفكير وإدراك الكليات.
حصيلة ما تقدم هي : إن العينية الخارجية ليس فيها سوى الوجود ولا سهم للماهية فيه سوى أنها تنطبق عليه ويُنسب إليها اعتباراً ، وهو ما يعبّر عنه بأصالة