الاستبشار أكثر.
وهذا ما وردَ عن أصحابه المقاتلينَ معهُ أنّه قال أحدهم : عمّا قليل سنُعانق الحور العين (١). وقال آخر : ليس بيننا وبين الجنّة إلاّ أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم (٢) ، وهم يَعلمون أنّهم سيُعانون الجَرح والقتل والبلاء الصارم ، ومن ذلك قول الشاعر يصف العبّاس عليهالسلام أخا الحسين (ع) ، وقد حاربَ معه وأبلى بلاءً حسناً وعظيماً قال الشاعر :
عَبَست وجوهُ القوم خوفَ الموت |
|
والعبّاسُ فيهم ضاحكٌ يتبسّم (٣) |
ومنه قول عليّ بن الحسين الأكبر فيما وردَ عنه : لا نُبالي أوَقَعنا على الموت أم وقَعَ الموت علينا (٤) ، يعني : ما دُمنا على الحقّ كما ورد في أوّل الرواية ، وعدم المُبالاة يعني عدم الحُزن والتألّم لهذا البلاء النازل ، وإنّما هو الصبر بإيمانٍ والجلد بيقين ، بل الاستبشار برحمة الله ورضوانه.
وإذا كان غير المعصومين يحسّ بذلك ، فكيف بالمعصومين ومنهم الحسين نفسه ، وإذا كان أصحابه وذووه ممّن هو تحت ذلك البلاء العظيم نفسه ، لا يشعرون بالحُزن والألم النفسي بل بالاستبشار ، فكيف ينبغي أن يكون حال مَن سواهم من الناس من مُحبّين وأولياء.
الجانبُ الثاني : جانبُ الحُزن والألم لِمَا أصاب الحسين عليهالسلام وأهل بيته وأصحابه ونسائه من : بلاءٍ ، وقتلٍ ، وتشريد ، وسبي ، وإذلال ، وهي حادثة بمجموعها تُعتبر أعظم ما وقعَ من البلاء الدُنيوي على أيّ مجموعة أخرى من
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢٤١ ، أسرار الشهادة للدربندي : ص ٢٤٩.
(٢) نفس المصدر بتصرّف.
(٣) للسيّد جعفر الحلّي ، المتوفّى فجأةً في شعبان لسبع بقينَ منه سنة ١٣١٥ هـ (أدبُ الطف : ج ٨ (ص ٩٩ ـ ١١٥).
(٤) الطبري : ج ٦ ، ص ٢٣١ ، الكامل لابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٨٢ ، اللهوف : ص ٣٠.