المصادر أنّه سالَ مُخّه على كتفيه ، ثمّ يقول الخطباء : إنّه في آخر رَمق من حياته دعا أباه الحسين عليهالسلام ، فبادرَ بالذهاب إليه فأخبرهُ قائلاً : هذا جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله قد سقاني شُربة لا أظمأُ بعدها أبداً (١).
مع العلم اليقين أنّ مَن تناثرَ مُخّه ، فهو ميّت لا محالة ، ولا يستطيع الكلام ولا بكلمة واحدة ، فضلاً عن انتظار مدّة إلى أن يصل إليه أبوه ؛ فإنّ تَلف المُخ طبيّاً يعني الوفاة ، وعدم إمكان استمرار الحياة بكلّ تأكيد ، فيكون ما يقوله الخطباء من كلامٍ بعد ذلك مُمتنعاً بحسب القانون الطبيعي ، إلاّ أنّ يقول : إنّ مُخّه لم يتناثر ولم يسل على كتفيه ، عندئذٍ تكون له فرصة الكلام.
وقد يخطر في البال أمران :
الأمرُ الأوّل : إنّ هذا وأمثاله يمكن أن يحصل بنحو المعجزة ؛ فإنّه وإن كان خارقاً للناموس الطبيعي ، إلاّ أنّ كلّ معجزة خارقة له بطبيعة الحال ، فليكن هذا منها.
وجواب ذلك : إنّنا بحسب ما نفهم ، فإنّ واقعة كربلاء بكلّ تفاصيلها ليست قائمة على شيء من المعجزات ، وإلاّ لم يكن الإمام الحسين عليهالسلام في حاجة إلى الحرب ، وإلى تحمّل هذا البلاء الدنيوي العظيم ، بل كان يمكن بدعاء واحدٍ لله عزّ وجل أن يقتل كلّ أعدائه ، وأن يعود إلى المدينة بأسلوب طيّ الأرض ، أو أن يُسخّر الجنّ ، أو الملائكة في القتال ، أو أن يَصرف قلوب أو أذهان أعدائه عن مقاتلته أو قتله .... إلى غير ذلك من احتمالات السلامة ، ولعلّنا نبحث هذا الأمر بمزيدٍ من التفاصيل حين تسنح الفرصة إليه قريباً.
__________________
(١) مقتل الخوارزمي : ج ٢ ، ص ٣١ ، اللهوف لابن طاووس : ص ٤٩ ، البحار : ج ٤٥ ، ص ٤٤.