فقط لاستكشاف الحال في الكوفة وإرسال الخبر إلى الحسين عليهالسلام ، ومن المعلوم أنّ السيطرة على الكوفة تحتاج إلى قتال ، وهو ممّا لم يأذن به الحسين عليهالسلام.
فإنّ نصّ جواب الحسين عليهالسلام يقول : «أمّا بعد ، فقد فهمتُ كلّ الذي اقتصَصتم وذَكرتم ، ومقالة جُلّكم : إنّه ليس علينا إمام فأقبِل لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى والحقّ ، وأنا باعثٌ لكم بأخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، وأمرتهُ أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم ، فإن كتبَ إليّ أنّه قد اجتمعَ رأي مَلأكم وذوي الحِجى منكم على مثل ما قدّمت به رُسلكم وتواترت به كتبكم ، أقدِم إليكم وشيكاً إن شاء الله» (١) إلى آخر ما قال ، وهو خالٍ من التخويل بالحرب ، كما هو واضح.
الأمر الثاني : إنّ استلام حكم الكوفة من قِبل مسلم بن عقيل إن كان بدون حرب ـ كما يُشعر به كتاب أهلها الذي سمعناه حين يقولون عن حاكمها : أخرجناهُ وألحقناه بالشام. هكذا بكلّ سهولة ـ لهانَ الأمر ، بل أمكنَ القول شرعاً ، بأنّه تجب السيطرة على الكوفة عندئذٍ ، إلاّ أنّ الأمر لم يكن كذلك جزماً ، لعدّة أمور منها :
أوّلاًً : وجود المنافين والمعاندين في الكوفة بمقدار معتدٍّ به ، وهم بلا شكّ مستعدّون للوقوف ضدّ هذا الاتّجاه ، سواء بالحرب لمنعه أو بالتآمر لإفشاله وإسقاطه لو تمّ ، ومن هنا يصعب حصول الأمر بالنجاح التام والمستمر.
ثانياً : إنّ حاكم الكوفة يومئذٍ (النعمان بن بشير) ، وإن كان حسب ما وردَ في التاريخ : أنّه كان رجلاً متخاذلاً مشكّكاً يحبّ العافية ، ويُفضّل الراحة والسلامة (٢) ، ولكنّه مع ذلك ورد أنّه خَطبَ وهدّد الكوفيين بأنّ استعمالهم
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ١٩٨ ، مناقب ابن شهرآشوب : ج ٣ ، ص ٢٤٢ ، مقتل الخوارزمي : ج ١ ، ص ١٩٥.
(٢) إعلام الورى للطبرسي : ص ٢٢٤ ، الفتوح لابن أعثم : ج ٥ ، ص ٧٥.