حاكم الكوفة يومئذٍ ، وكان له معهُ رفاقة ، فأرسلَ إليه أنّه سيعوده في دار هانئ ، وقبل مجيء ابن زياد تواطأ شريك مع مسلم على أن يغتال ابن زياد عند مجيئه ، فلمّا كان من العشي أقبلَ ابن زياد وتخفّى مسلم في إحدى الغُرف كأنّه يستعدّ لاغتياله ، ولكنّ هانئ اعترضهُ قائلاً : إنّي لا أُحبّ أن يُقتل في داري.
والمهمّ : أنّ مسلماً لم يقبل لقتل ابن زياد وخرجَ ابن زياد سالماً ، فخرج مسلم من مكانه.
فقال له شريك : ما مَنعك من قتله؟ قال : خصلتان : أمّا إحداهما : فكراهة هانئ أن يُقتل في داره ، وأمّا الأخرى : فحديث حدّثنيه الناس عن النبي صلىاللهعليهوآله : «إنّ الإيمان قيّد الفتك ، ولا يَفتك مؤمن» (٢).
فقال هانئ : أمَا والله ، لو قتلتهُ لقتلتَ فاسقاً فاجراً كافراً غادراً ، ولكن كرهتُ أن يُقتل في داري (٣).
فمن هنا قد يخطر في البال : السؤال عن السبب الذي حَدا بمسلم بن عقيل على أن لا يقتل عبيد الله بن زياد ، بعد أن أصبحَ كاللقمة السائغة بيده ، وهو
__________________
(١) هانئ بن عروة المرادي المِذحجي : لقد ذَكر المؤرّخون أنّه كان شديد التشيّع ، ومن أشراف الكوفة وقرّائها ، ومن خواصّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، حضرَ حروبهُ الثلاث ، وأدركَ النبيّ صلىاللهعليهوآله وتشرّف بصحبته ، وكان له يوم قتله بضع وتسعون سنة ، وكان شيخ مراد وزعيمها إذا ركبَ ركبَ معه أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل ، فإذا أجابتها أحلافها من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع (واقعة الطف لبحر العلوم : ص ٢٨٦).
(٢) الفَتك : (فَتك فلان بفلان) أي : قتلهُ على غفلة ، أو انتهزَ منه فرصة فقتلهُ (أقرب الموارد : ج ٢ ، ص ٩٠١ ، مجمع البحرين : ج ٥ ، ص ٢٨٣ بتصرّف).
(٣) هذا ما وردَ في تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢٠٤ ، وكذلك في مقاتل الطالبيين ، والدمعة الساكبة : م ١ ، ص ٣٠٩ نقلاً عن البحار.
وقد ذكرَ هذه الرواية ابن الأثير في الكامل في التاريخ : ج ٣ ، ص ٢٧٠ إلاّ أنّه ذَكر أنّ مسلماً عندما سُئل عن عدم خروجه قال : (... وأمّا الأخرى ، فحديث حدّثه عليّ عليهالسلام عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : (إنّ الإيمان ... إلخ) ، وهذا ما أوردهُ الخوارزمي أيضاً في مقتله : ج ١ ، ص ٢٠٢.
أمّا ابن نما الحلّي : فقد ذَكر في مُثير الأحزان : ص ٢٠ أنّ زوجة هانئ هي التي مَنعت مسلم من قَتل عبيد الله بن زياد ، ولم يَذكر الحديث.