وطبيعة سكّانها ، وهو غريب جديد العهد بهذا المجتمع.
وأمّا سببُ محافظتهم على أنفسهم ، فلا ينبغي الإشكال فيه في الدنيا والآخرة. أمّا في الدنيا فواضح ؛ لصعوبة تعريض النفس للقتل ، وخاصّةً إذا كان بلا موجب وبشكل غير مُنتج كما عَرفنا. وأمّا في الآخرة (أعني في التكليف الشرعي في الدين) ؛ فلأنّ بقاءهم خيرٌ من موتهم ، لاحتمال أن يُفيدوا المجتمع بقليلٍ أو بكثير ، وأن لا يُخلو الساحة بالمرّة لعُبيد الله بن زياد وجماعته يفعلون ما يشاءون ، دون وازعٍ من دين ، أو ضمير ، أو رقيب ، أو حسيب.
مضافاً إلى احتمال تأييدهم للحسين عليهالسلام ؛ فإنّهم كانوا عالِمين بأنّه مُقبل عليهم وقريب الوصول إليهم ، بالرغم من طول السفر وبُعد الشقّة ، إذاً فلعلّهم يستطيعون رؤيته ، أو معونته ، أو نصرته ، أو امتثال أوامره.
صحيحٌ أنّهم لم يكونوا يعلمون بحادثة كربلاء كما وقعت ؛ لأنّها لم تكن قد وقعت ، إلاّ أنّ نصرتهم للإمام الحسين عليهالسلام إجمالاً ـ ولقاءه وامتثال أوامره أيّاً كانت ـ هذا ممّا كان هؤلاء الخاصّة يستهدفونهُ بصراحة ووضوح ، فإن بقيَ الحسين وانتصرَ بقوا معه ، وإن قُتل قُتلوا معه ، وعلى أيّ حال فينبغي لهم في التكليف الشرعي الذي يعرفونه ، أن يحافظوا على حياتهم الآن ليطبّقوا مثل هذا التكليف في المستقبل عند لقاء الحسين عليهالسلام.
بقيَ السؤال الذي يخطر في الذهن : وهو أنّ مسلم بن عقيل عليهالسلام لماذا بقيَ مُتلدِّداً في أزقّة الكوفة ، وقد كان من الأفضل له أن يلتجئ إلى بيت أحد الثقاة من أصحابه ، أو أن يخرج إلى البرّ ويلتحق بالأعراب فلا يعرفهُ أحد.
والجواب عن ذلك يكون على مستويات :
المستوى الأوّل : إنّ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) رجلٌ غريب في الكوفة ، لا يعرف بيوتها ولا طُرقاتها ، وقد كان أصحابه يقصدونه من منازلهم وهو لا يعلم أين تقع منازلهم ، ولم يكن خلال هذه المدّة التي عاشَ فيها في