ويكفي أن يجد ابن زياد من أصحابه عدّة مئات يكفونه المؤونة ، بدون حاجة إلى أن نتصوّر إلى أنّ الكوفة كلّها قد انقلبت ضدّه في عشيّة واحدة.
وقد نظرتُ في المصادر التاريخيّة فوجدتُ أنّ الرمي من سطوح المنازل ضدّ مسلم بن عقيل ، مذكورٌ فعلاً (١) ، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ الشعب كلّه فعل ذلك ؛ وذلك :
أوّلاً : إنّه لا وجود لذكر النساء والأطفال الفاعلين لذلك.
ثانياً : إنّنا لو سلّمنا ذلك ، فإنّما هم شَرذِمة من عوائل أعدائه.
ثالثاً : إنّ أصحاب بعض البيوت من أعدائه من الرجال فعلوا ذلك.
رابعاً : إنّ الجيش المعادي له الذي أرسلهُ ابن زياد للقبض عليه ، وجدَ من الحيَل للسيطرة عليه أن يدخل البيوت عَنوة ويرميه البعض من السطوح بالحجارة والنار ، فإذا كان ذلك محتملاً ، والاحتمال مبطل للاستدلال ، فلماذا نفترض ما هو مُستبعد في نفسه ، وهو انقلاب الشعب كلّه ضدّه في عشيّة وضُحاها.
سَمعنا قبل قليل ما نقلهُ التاريخ من تأسيسه (سلام الله عليه) ـ في أيّامه الأخيرة من حياته ، ومن وجوده في الكوفة ـ جيشاً مهمّاً أمّر عليه القادة ونادى بشعار رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأصبحَ هو القائد العام له ، ولكنّهم تفرّقوا عنه بسبب مكر أعدائه.
والمهمّ الآن أنّه قد يخطر في الذهن سؤالان :
الأوّل : إنّه لماذا أراد تأسيس الجيش مع أنّنا عرفنا فيما سبق أنّه غير مخوّل
__________________
(١) مناقب ابن شهرآشوب : ج ٢ ، ص ٢١٢ ، مقتل الخوارزمي : ج ١ ، ص ٢٠٩.