الاعتذار عن الإحاطة التامَّة
نحن عندما ننظر إلى أيِّ أمر مُعقَّد ، أو مربوط بالحكمة الإلهيَّة ، أو بتصرُّف أحد المعصومين مِن قول أو فعل ، أو أحد الراسخين في العلم ، فسوف نواجه وعورة في السير وصعوبة في الرؤية ، إلى حَدٍّ قد يكون أحياناً أنَّنا نجد الباب مُغلقاً أمامنا تماماً ، للصعود الذي نطمع به ونطمح إليه ، في هذا السبيل ، وذلك بعد ملاحظة الأُمور التالية :
الأمر الأوَّل : إنَّه تمَّ البرهان في مباحث العقيدة الإسلاميَّة ، على أنَّ العلم الإلهي والحكمة الإلهيَّة لا مُتناهيان ومُطلقان ولا حَدَّ لهما ، وأنَّ اطِّلاعه جلَّ جلاله على الواقعيَّات على مُختلف المُستويات أكيد ، وثابت على أوسع نطاق. بلْ كلُّ صفاته الذاتيَّة هكذا جلَّ جلاله وكثير مِن أسمائه ، فهو لا مُتناهي العلم والقدرة والحِكمة ، والعدل والرحمة ، والحياة والوجود ، والجود والنعمة ، إلى غير ذلك. كما ثبت أنَّ العقل الإنساني مهما تسامى ، فهو محدود بحدود لا يُمكنه أنْ يتعدَّاها ، كما سنُشير إليه ، ومِن البديهي أنَّ المحدود يستحيل أنْ يُدرِك اللاَّ محدود. إذن ؛ فليس للإنسان أنْ يُدرِك العلم الإلهي والحكمة الإلهيَّة كما هي ، وإنَّما ينال منهما بقدر استحقاقه وقابليَّته ، وبمقدار عطاء الله له ، و (العلم نور يقذفه الله في قلب مَن يشاء) (١).
الأمر الثاني : إنَّنا نشعر وجداناً بعدم إحاطتنا بالواقعيَّات على واقعها ، لا مِن ناحية العقل (النظري) ولا مِن ناحية العقل (العملي) (٢) ؛ فإنَّ العقل
__________________
(١) الوافي للفيض الكاشاني. ج ١ ص ٧. المُقدِّمة الأُولى.
(٢) العقل النظري : هو إدراك ما ينبغي أنْ يُعلَم.
والعقل العملي : هو إدراك ما ينبغي أنْ يُعمَل.