أمّا عن السؤال الأوّل : فأوّل خطوة ينبغي اتخاذها بهذا الصدد هو : نفي ما زَعمه السائل من أنّ الحسين عليهالسلام كان محتاجاً إلى أصحابه في الدفاع عنه ، بل لم يكن من حاجة إلى ذلك أصلاً ؛ لأنّه يعلم أنّه مقتول لا محالة ، ولم يكن في وضعٍ يؤهّله للنجاة طبيعياً بكلّ صورة ، ولم يكن كلّ أصحابه بالعدد الكافي للدفاع عنه ، وإنّما يدور الأمر بين مقتله وحده أو قتله مع أصحابه ، أمّا التسبيب إلى نجاته فهو غير محتمل إطلاقاً.
وقد كان ذلك غير محتمل في زمنٍ سابق حال وجوده في الحجاز ، أو حين بَلَغه خبر مقتل مسلم بن عقيل وهو في الطريق ، أو حين جعجعَ به الحرّ الرياحي ، ففي مثل وقته هذا وقد تجهّز عليه الجيش كلّه ، يكون العلم بالنتيجة أولى وروداً وأوضح ثبوتاً ، هذا مضافاً إلى ما حصلَ فعلاً تاريخيّاً : وهو أنّ أصحابه صَمدوا معه وحاربوا إلى جنبه ، ومع ذلك لم يدفعوا عنه القتل وهذا كان معلوماً سَلفاً ، وقد ثبتَ بالتجربة صدقه.
فإذا انتفت حاجتهُ إليهم عمليّاً لم يكن هناك إشكال شرعي في الإذن لهم بالتفرّق ، ولا يجب عليه الاحتفاظ بهم ؛ لأنّهم سوف لن يسعفوه بشيء.
بل الأمر قد يكون بالعكس : وهو أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد يحسّ بتكليفه الشرعي بلزوم أمرهم بالانصراف ، إنقاذاً لهم من الموت الذي يمكن أن يكونوا في غنىً عنه ، مضافاً إلى جهة أخرى وهي : الحفاظ على النفوس ، يعني الحفاظ على جماعة من المؤمنين الذين يصلحون للدعوة إلى قضية الحسين عليهالسلام وهداية الناس ، وقد قام عليهالسلام بهذه المهمّة ، ومن هنا قد يتخيّل الفرد أنّه يجب عليهم أن يتفرّقوا لأجل إحراز هذه النتائج ، وسيأتي الكلام عنه.
إلاّ أنّ الحقيقة أنّ المقصد الرئيسي ـ حسب ما نفهم ـ لم يكن هو ذلك ، بل كان لأجل اختبار هِممهم في نصره وفي السير في سبيل الشهادة ، وتحصيل طاعة الله ورضاه سبحانه من هذه الناحية ، ومن هنا يمكن أن يقعوا تحت طائلة نفسية