إذاً فكان أمير المؤمنين يريد أن يلقى الله جوعاناً ، فكذلك ابنه العبّاس يريد أن يلقى الله عطشاناً.
وينبغي أن نلتفت أنّ المستوى الأوّل هو الأهمّ فقهيّاً ، وهو الذي فتحَ الباب للعبّاس عليهالسلام إلى أحد المستويات الثلاثة الأخرى ؛ لوضوح أنّ شرب الماء لو كان سبباً للنجاة كان واجباً ، ولا تقوم أمامه المستويات الأخرى إطلاقاً ، إلاّ أنّنا عرفنا أنّه لا يُحتمل فيه ذلك.
الجهة الثالثة : إنّه نقلَ إلينا التاريخ : أنّ عليّ بن الحسين الأكبر عليهالسلام خرجَ إلى الحرب فترةً من النهار ثمّ رجعَ إلى الحسين عليهالسلام فقال : يا أبه ، العطش قد قَتلني وثِقل الحديد قد أجهدَني ، فهل إلى شُربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الأعداء. فبكى الحسين عليهالسلام وقال : «واغوثاه ، من أين آتي لك بالماء ، قاتِل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك رسول الله ، فيسقيك بكأسه الأوفى شُربة لا تظمأ بعدها أبداً» (١).
ورويَ أنّ الحسين عليهمالسلام قال له : «يا بُني هات لسانك ، فأخذَ لسانه فمصّه ودفعَ إليه خاتمه الشريف : وقال له : يا بُني أمسكهُ في فَمك وارجع إلى قتال عدوّك» (٢).
أقول : وفي النتيجة أنّه لم يَدفع له شربة ماء ، فقد يُثار السؤال عن السبب في ذلك وخاصّة عن استعمال المعجزة في هذا الصدد؟
وجوابُ ذلك على عدّة مستويات نذكر منها :
__________________
(١) مقتل الخوارزمي : ج ٢ ، ص ١٣ ، اللهوف لابن طاووس : ص ٤٨ ، ابن نما الحلّي : ص ٥١.
(٢) نفس المصدر ، البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ٤٤.