فقد يخطر في الذهن : إنّه لماذا أخذَ الحسين رضيعه إلى جانب الأعداء؟ مع أنّه من الواضح حصول قتله على أيديهم ، وهو أمر لا يخفى على الحسين عليهالسلام ، حتّى بالتسبيب الطبيعي فضلاً عن العلم الإلهامي ، ويمكن الجواب على ذلك على عدّة مستويات نذكر منها :
المستوى الأوّل : إقامة الحجّة على الأعداء ، وفضحهم في النتيجة ، إذ يثبت بالحسّ والعيان قتلهم للأطفال والعُزّل ، وهو أمرٌ يثبت على عدّة مستويات منها : أمام أفراد الجيش المعادي نفسه ، ومنها : أمام الجيل المعاصر للحسين عليهالسلام ، ومنها : أمام الأجيال المتأخّرة عنه ، ودلالة ذلك : ما سمعناه عن المؤرّخين من وقوع الخلاف بين أفراد الجيش المعادي ، فقال بعض المنصفين منهم : إذا كان ذنبٌ للكبار فما ذنب الصغار. وقال بعض المُعاندين : لا تُبقوا لأهل هذا البيت باقية. فقد حصلَ التمحيص والامتحان آنيّاً ، فضلاً عن إقامة الحجّة في المدى القريب والبعيد.
وينبغي أن نلتفت أيضاً : إلى أنّ هذا المستوى من التفكير يقتضي التسليم بأنّ الحسين عليهالسلام رأى أنّ إقامة الحجّة أمام الأعداء ، ذو مصلحة أكيدة حتّى لو فدى في سبيلها ولدهُ الرضيع ، وهذا أمرٌ مقنع وجداناً ؛ لأنّ ما حصل من فضيحة هؤلاء لم يكن له مثيل.
المستوى الثاني : إنّ الحسين عليهالسلام أراد التضحية بولده أمام الله سبحانه قبل موته واستشهاده ، ومثلهُ ما رويَ عن العبّاس عليهالسلام ، حيث قال لأخوته الذين كانوا معه في واقعة الطف : تقدّموا يا بَني أمّي لكي أحتسِبكم أمامَ الله سبحانه (١). فهو يَعتبر استشهاد أخوته عملاً وطاعة له شخصياً ، ففي مثل ذلك فكّر الحسين عليهالسلام.
__________________
(١) إعلام الورى للطبرسي : ص ٢٤٨ ، البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ٣٨ بتصرّف.